كتاب ومقالات

لا تدعها تمر

عبده خال

صورتان اجتماعيتان لم أستطع فهمهما أو التقريب بينهما كحكم على ما يحدث من تسيير حياة عادلة، والصورتان تمثل تناقضا حادا لدارسي علم الاجتماع الباحثين عن قراءة سليمة لإحداث توافق بين تدافع أفراد المجتمع نحو أحداث تمكن الجميع من السير بسرعة منتظمة ليس بها تقاعس ولا تهور.. والصورتان تلك هما: فئة تنفق إنفاق من لا يخشى الفقر، وفئة كشف الفقر عن ساقها فلم يعد لديها ما يغطي حاجتها، والفئة الأولى تجاهر بالثراء في غير موقعه، كأن تعلن عن شراء أدوات أو حيوانات بملايين الريالات، بينما سعر تلك المشتروات لا يتجاوز سعرها ألفا أو عدة آلاف، قافزين بالسعر إلى سقف الجنون، والفئة الثانية تعلن مجاهرة أيضا أنها غير قادرة على تغطية فاقتهم في الحدود الدنيا كالبحث عن ثياب لتستتر من البرد القارس أو غير ذلك.

والصورتان المتقابلتان يمكن قراءتهما بتقابل الطبقتين بشكل ينذر عن غياب الطبقة الوسطى، أو أن هذه الطبقة في تضاؤل مستمر وفقدها لسماكتها لكي تقوم بدورها بتباعد طبقة الثراء الفاحش وطبقة الفقر المدقع، وعدم المواجهة المباشرة بينهما، وهو نذير يستوجب التدخل لدعم الطبقتين الوسطى والدنيا لكي يستطيع المجتمع مواصلة عملية التدافع في تسيير حياة طبيعية.

والتدخل المطلوب يمكن له إعادة الهيكلة بين الطبقات الثلاث، ومراجعة الإستراتيجية المتبعة في تعامل تسيير كل منها..

وتسيير المجتمع على نظام متبع لا يراجع سياساته وفق متغيرات الظروف الاقتصادية سوف يؤدي إلى نتيجة مواصلة تنامي الفوارق الشاسعة بين الطبقات الاجتماعية.

والتدخل يصبح ضرورة قصوى، فتسيير المجتمع لا يتأتى من خلال نظرية دعها تمر.. أو (بالبركة)، أو أن هذا أمر طبيعي، فكلما تزايدت الفوارق كان البون شاسعا.