المعرفة في عصر السماوات المفتوحة رهان رابح ومصدر قوة لحركة التنمية

الأمير خالد الفيصل افتتح ندوة التعلم والتقنية وكرم الملكة رانيا:

حامد عمر العطاس، وديان قطان ـ جدة

أكد سمو الأمير خالد الفيصل، أمير منطقة مكة المكرمة، أن المعرفة في عصر السماوات المفتوحة هي الرهان الرابح ومصدر القوة القائدة لحركة التنمية، وأشار سموه في كلمة لدى افتتاح الندوة السنوية السادسة للتعلم والتقنية مساء أمس إلى أن المملكة تسعى جاهدة للتحديث والحفاظ على هويتها وثوابتها الراسخة، وفي ما يلي كلمة سموه: “يسعدني أن أشارككم في افتتاح الدورة السنوية السادسة لندوة (التعلم والتقنية) التي تنظمها كلية عفت في جدة، التي تنعقد هذا العام على موضوع غاية في الأهمية عن (المواطنة في المنظومة الرقمية: إطلالة ورؤى)
وأرحب بضيوفنا الأفاضل الذين حرصوا على الإسهام في الندوة بالفكر والتجربة، إيمانا منهم بأن الحضارة الإنسانية تنمو وتزدهر في مناخ التعاون المشترك بين بني الإنسان، خاصة في هذا العصر التقني الذي ألغى المسافات وحرر العقبات في طريق التواصل بين الشعوب والأمم.
وفي عصر السماوات المفتوحة، الذي أنتج كما معلوماتيا هائلا، آخذا في الاضطراد والتحديث، تصبح المعرفة ـ إنتاجا وتبادلا واستهلاكا ـ هي الرهان الرابح ومصدر القوة القائدة لحركة التنمية، وهي المنشد الذي يجب أن تتوخاه والأمم والشعوب، من أجل مواكبة النهضة القائمة والمشاركة الفاعلة في آلياتها، في إطار تعاون إنساني شامل.
والدين الإسلامي الذي نتشرف بالانتساب إليه يدعو إلى هذا التوجه منذ انطلاق الرسالة بالأمر الإلهي الأول للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم "إقرأ" وهو أمر لا ينسحب على ظاهر اللفظ من القراءة التقليدية المعهودة فحسب، بل يتجاوز إلى كل وسيلة مشروعة تقود إلى المعرفة.
كما أن عالمية الإسلام لا تتحقق إلا بالتعارف والتعاون والتواصل والتأثر والتأثير الإيجابي والمفيد بين جميع دول العالم وشعوبه، ولقد نهضت الحضارة الإسلامية بفعل التطوير المبدع الذي قام به علماؤنا الأوائل لنتاج حضارات أخرى، ثم كان ناتج هذا التطوير ركيزة انطلاق الحضارات المتعاقبة بعدها، وإلى يومنا هذا في الشرق والغرب، وهكذا تتلاقى روافد الحضارات المتعددة وتتلاقح لتنتج الحضارة الإنسانية الواحدة على مرِّ التاريخ.. لا شك أن مسؤوليتنا التاريخية عن إحياء دور أسلافنا النشط في صناعة النهضة الإنسانية، تحتم علينا العناية بقاطرة النهضة وأعني بها التنمية الإنسانية على الأسس العصرية.
من هنا تأتي أهمية هذه الندوة وربطها بين التعليم والتقنية، حيث التعليم يعني تأهيل الإنسان من خلال برنامج تعليم مستمر لا يقتصر على مراحله التقليدية والمعروفة، وحيث الوسائط التقنية على الجانب الآخر هي الوسيلة المثلى لتحقيق الأهداف في سني الدراسة وما بعدها.
وتأتي هذه الدورة في سياق تحفيز الصحوة الرقمية في العموم، وخاصة بين من لهم صلة بالتربية والتعليم، وتسليط الضوء على أهمية اكتساب الهوية الرقمية وتحقيق المواطنة فيها، لا باستخدام الإنسان للشبكة المعلوماتية في خدمة أنشطته الخاصة فحسب، ولكن بالمساهمة في إنتاج مقومات هذه الشبكة، ليجد لنفسه موقعا على خارطة العالم الرقمي اليوم.
المملكة ساعية للتحديث
ولا شك أن المملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وسمو ولي العهد الأمير سلطان بن عبدالعزيز، تسعى جاهدة في هذا السبيل، وتأخذ بكل أسباب التحديث في نطاق الحفاظ على هويتها والراسخ من ثوابتها، ومن أجل ذلك أقيمت كبريات المدن الاقتصادية، ونال التعليم أكثر من ربع ميزانية الدولة، وقامت فيها أحدث جامعة عالمية هي جامعة الملك عبدالله للعلوم والتكنولوجيا، وانتشرت في ربوعها المجمعات التعليمية والبحثية، وتنامت حصة القطاع الخاص في مشروعات التعليم والتدريب، وهذه الكلية تأتي في السياق ذاته، كما نالت المرأة مساحة أوفر في مجالي التعليم والعمل، إلى غير ذلك من جهود حثيثة تتحول بالمملكة إلى دولة عصرية منتجة للعلم والتعليم، القائم على أحدث التقنيات في عصر اقتصاد المعرفة.
الارتقاءُ بالتعليمِ هدفُنا
وألقت سموّ الأميرة لولوة الفيصل نائب رئيس مجلس الأمناء والمشرف العام على كليّة عفّت كلمة قالت فيها:
إنّهُ لمنْ دواعي السرورِ والغِبطةِ أنْ أقفَ مرحبةً بِكُمْ جميعًا في حفلِ افتتاحِ الندوةِ والتي تُعتبرُ معْلَمًا من معالِمِ كليّةِ عفّت لها السبْقُ في تنظيمِهِ لخدمةِ العلمِ والمجتمع، ويُشرِّفُنِي في هذهِ المناسبةِ العظيمةِ أنْ أتقدَّمَ بجزيلِ الشكرِ وفائقِ التقديرِ إلى صاحبِةِ الجلالةِ الملكةِ رانيا العبدالله ملكةِ الأردن؛ لتلبيتِها الكريمةِ لدعوةِ الكلّيّةِ وتشريفِها هذا الحدثِ المتميّز بمشاركةٍ تُترجِمُ مدى اهتماماتِ جلالَتِهَا الواسعةِ في حقولِ التعلُّمِ والتقنيةِ وقضايا المرأةِ العربيّةِ، آملين أنْ تكونَ ندوتُنا في عامِنا هذا مِنْبَرًا مناسِبًا لاستعراضِ أحدثِ مستجداتِ العصرِ في عالمِ التعلُّمِ والتقنيةِ على السَّاحةِ العالميّةِ؛ مواكبَةً لمسيرةِ التطوّرِ محلِّيًّا وإقْليمِيًّا.
حظِيَ التعليمُ في المملكةِ باهتمامٍ كبيرٍ، ودعْمٍ سخيٍّ متواصلٍ منْ ولاةِ الأمرِ، وقدْ بدا ذلك واضحًا من خلالِ خططِ التنميةِ المتواليةِ التي جعلتِ التعليمَ من أولوياتِها الأساسيّةِ؛ إذ كانتْ هناكَ قفزاتٌ متناميةٌ في الاعتماداتِ الماليّةِ للتعليمِ، صحبتْها زياداتٌ في مؤسساتِ التعليم، وفي أعدادِ الطلابِ وأعضاءِ الهيئاتِ التدريسيّةِ، والحقُّ أنَّ المتتبّعَ لنشأةِ تعليمِ البنات يكْتشفُ أنّهُ لمْ يكنْ بمعزلٍ عنْ هذا التطوّرِ المتسارعِ، بلْ يجد أنَّ المسؤولينَ قدْ حرَصوا غايةَ الحرصِ على أنْ تنالَ الفتاةُ السعوديّةُ نصيبَها كاملاً مِنْ التعليمِ، فقدْ شهِدَ تعليمُ البناتِ في المملكةِ قفزاتٍ كبيرةٍ مرّ خلالَها بمراحلَ عديدةٍ من النموِّ والتطوّرِ كمًا وكيفًا، أثْبَتِ الفتاةُ السعوديّةُ فيها قدرةً متميّزةً في التحصيلِ والإبداعِ في مختلفِ التخصصاتِ والمجالات، ومنْ هذا المنطلقِ قامتْ كلّيّةُ عفّت كأولِ كلّيّةٍ أهليّةٍ غيرَ ربحيةٍ للبناتِ في المملكةِ شأنُها شأنُ باقي مؤسساتِ التعليمِ العالي الأهليِّ؛ بخطواتٍ حثيثةٍ لتدعيمِ منظومةِ التعليمِ العالي، وذلكَ بتقديمِ البرامجِ العلميّةِ المتخصّصةِ التي تتواءمُ مع سوقِ العملِ، وتستجيبُ لمتطلباتِ التنميةِ على المستويينِ المحليِّ الإقليميِّ، وتُسْهِمُ في إعدادِ كوادر بشريةٍ متميزةٍ لها بصماتُها المشرقة، ومنْ هنا تأتي أهميّةُ ما تتبنّاهُ كلّيّةُ عفّت تحقيقًا لرسالتِها في التميّزِ الأكاديميِّ والمهنيِّ، وسعيِها الدءوبِ لخدمةِ المجتمعِ ـ، من التزامِها في استراتيجياتِها التعليميّةِ دمجُ التعليمِ بالتقنيةِ، ورعايتُها لأهمِّ البرامجِ التقنيّةِ العملاقةِ في العالمِ والتي تُدعِّمُ تنميةَ وتطويرَ المرأةِ مهنيّاً؛ كبرنامجِ المرأةِ في عالمِ التقنيةِ، وأكاديميةِ سيسكو الإقليميّةِ للشبكات.
وفي ضوءِ هذا الإطارِ تَكلّلتْ مجهوداتُ الكلّيّةِ بندوةِ التعلُّمِ والتقنيةِ السنويّةِ، والتي أُطلقتْ أُولى فعالياتِها عام 2002م؛ لتكونَ ملتقىً سنويّاً لحلقاتِ نقاشٍ تربويةٍ/ تقنيّةٍ يتبادلُ فيها روادُ التعليمِ و الباحثون ورجالُ الأعمالِ الخبراتِ والأفكارَ الخلاقةَ في مجاليِّ التعليمِ والتدريبِ التقنيِّ، وتُطالعُنا في هذا العامِ الندوةُ السادسةُ للتعلُّمِ والتقنيةِ بمنظومةٍ جديدةٍ تحتَ شعارِ "المواطنةُ في المنظومةِ الرقميّةِ: إطلالةٌ ورؤى" والتي تهدفُ إلى زيادةِ وعي الانتماءِ إلى الأمّةِ الرقميّةِ الكونيّةِ وأهميّةِ المشاركةِ الفعّالةِ فيها لكونِنِا جزءاً لا يتجزأ ُمنها في عالمِنا اليوم.
تتجلّى فاعليةُ ندوتِنا السادسةِ بعرضِ أهمِّ التطوراتِ، وبمناقشةِ أميزِ القضايا المرتبطةِ بحقيقةِ المواطنةِ في العالمِ الرقميِّ، يتولاها نخبةٌ كبيرةٌ من نجومِ الباحثين وخبراءِ التقنيةِ محليًّا وعالميًّا؛ في نطاقِ خمسةِ محاور تدورُ حولَ: التقنياتِ الحديثةِ، والقضايا الثقافيةِ والاجتماعيةِ، التعليم والتّعلُّم، ومهاراتِ القرنِ الواحدِ والعشرين، والأدواتِ والأنظمةِ والبُنى التحتيّةِ. وعقب ذلك ألقت الدكتورة هيفاء جمل الليل كلمة قالت فيها: إن السمة الأساسية لندوة هذا العام تركز على الشبكة الدولية للإنترنت، وأثرها في تغيير حياتنا، فمنذ الظهور الأول لهذه الشبكة في بداية التسعينيات لم يتوقف نموها سواء من حيث عدد المواقع أم عدد المستخدمين أم التطبيقات، بل إننا نلحظ زيادة أثرها في كل جوانب حياتنا يوما بعد يوم، بدءا من آداء أعمالنا إلى تواصلنا مع أسرنا وأصدقائنا.
وبعد ذلك ألقت الملكة رانيا العبدالله كلمة قالت فيها مرة أخرى، أجد نفسي بينكم - هنا في المملكة - مغمورة بدفء الكرم والضيافة، محاطة بدعم الأهل والأحبة. أشكركم على إشراكي في هذا المنتدى السادس لكلية عفت، منتدى حول مواطنتنا الجديدة في عصرنا هذا، المواطنة الالكترونية التي تهدم الحواجز التي تفصلنا عن بعضنا البعض، وتحول دون اشتراكنا جميعاً في حوار مستمر، يخدم المخزون المعرفيّ العالميّ.
وأضافت منذ أسابيع، أصبحت طرفاً في هذا الحوار الالكترونيّ العالميّ. أطلقت صفحة على موقع يوتيوب الالكترونيّ، صفحة أتمنّى أنا المرأة ... الأمّ ... العربيّة ... المسلمة أن تغير من مفهوم العالم عنا... نحن العرب المسلمين نساء ورجالاً، وتفتح باباً آخر للحوار بين كلّ من يؤمن بأننّا متشابهون أكثر بكثير من اختلافاتنا. يستقبل الموقع الكثير من التعليقات المبنيّة على معتقدات خاطئة وصور نمطية لنا كعرب ومسلمين، لن أسردها هنا، لأنني أكيدة أنّ العديد منكم يدركونها. أسمع كثيراً "العرب ليسوا مثلنا"، أسمعها من أوروبيين وأمريكيين وآسيويين.. أسمع كثيراً عن اختلافاتنا وقليلاً عن قواسمنا المشتركة...
وعندما يتحدثون عن الاختلاف بين الشرق والغرب، يستشهدون في معظم الأوقات بوضع المرأة العربية، كيف أنّها مقموعة، غير متعلمة، غير مشاركة.. ليت كل مشكك في وضع النساء العربيات يلتقي طالبات هذه الكلية كما التقيتهن منذ قليل، ليتهم يستمعون إلى طالبات عفت، إلى منطقهن وسعة مداركهن.
ليس فقط بكلية عفت العريقة ترفع الرؤوس.. ليس لأن "عفت غير، بل لأن السعودية غير، والعالم العربي غير، لأننا جميعا غير.. بنسائنا، ورجالنا، ومجتمعنا.. تجتمعون اليوم لتناقشوا التعليم والتقنية الحديثة، وأهمية أن نسخر تقنيات عصرنا لخدمة مؤسساتنا التعليمية.. نعم التقنية مهمة، لكن هذا العصر ليس عصر التقنية فقط، التقنيات تسهل، تقصر المسافات وتفتح الأبواب.. لكنها لا تفكر ولا تبصر ولا تبدع، عصرنا هذا عصر الرؤية.. عصر الفكر والفكرة الخلاقة... والأفكار هي أغلى سلعة هذه الأيام!
قد يجد البعض في عاداتنا وتقاليدنا ما يمنع خروج المرأة عن دورها التقليديّ، ويستشهدون بالنظرة المجتمعية لحصر النساء في قوالب محددة وعدم إعطائها الدعم والتشجيع، والأهم الأدوات لتسخير كلّ طاقاتها في ما هو مفيد لها ولعائلتها ومجتمعها.
لقد أكرم ديننا الحنيف النساء كما أكرم الناس جميعاً، فللمرأة كما للرّجل الخيار.. خيار الموافقة على شريك الحياة وخيار المساهمة في الدّفاع عن الوطن.. وللمرأة حرية التصرف بمالها والمشاركة في بناء الاقتصاد.. الاقتصاد المنزلي والوطني. والقوانين لا تحول دون مشاركة المرأة، دون إسهامها، دون فاعليتها..
واستطردت: إن تسخير العلم لا يحدث في سوق العمل فقط. يقال "إن تعلم امرأة فإنك تعلم مجتمعاً بأكمله" وأنا أعلم، عن تجربة، أن المرأة المتعلمة في منزلها، مع أولادها وزوجها، تختلف عن سواها، فالمرأة المتعلمة، المفكرة، تزرع في أولادها حب العلم وتنمي فيهم حس التفكير الخلاق. لأن الأم تستطيع أن تجعل تاريخنا، أخلاقنا، عاداتنا، تقاليدنا، وقوانيننا البوصلة التي ترسم مسارها ومسار أولادها، وتستعين بتعليمها وتقنيات العصر لتصل بهم الى بر الأمان الذي يشارك كلّ فرد من مجتمعنا في بنائه.
وعقب ذلك تحدث فاروق الباز مدير مركز الاستشعار عن بعد في جامعة بوستن بأمريكا عن اكتساب واستخدام وانتاج المعرفة في عصر الفضاء.
وفي ختام الحفل تم توزيع الجوائز وتكريم الرعاة من قبل الأمير فيصل بن سعود بن عبد المحسن آل سعود .