سوريا والانفراج السياسي الجديد

صالح عبدالرحمن المانع

حمل رئيس الوزراء التركي طيب رجب أردوغان في حقيبته أخباراً جيدة للسوريين حينما زار دمشق قبل عدة أيام . فقد أعلن أردوغان أن إسرائيل قبلت بمبدأ مقايضة الأراضي السورية المحتلة في الجولان منذ عام 1967م ، بسلام شامل مع السوريين .
كانت هذه بالفعل أخباراً جيدة للسوريين وللعرب جميعاً ، كما كانت أخباراً جيدة للقيادة التركية التي عملت دون كلل خلال عام كامل على نقل الرسائل الدبلوماسية المتبادلة بين الجانبين السوري والإسرائيلي .
ووضعت القيادة السورية عدداً من المطالب، من أبرزها أن تكون هذه المفاوضات علنية، وأن تأخذ بما يسمى بوديعة (رابين) عام 1995م ، والتي التزم فيها بمقايضة مرتفعات الجولان السورية مقابل السلام مع دمشق . إلا أن القيادة السورية طالبت كذلك بضمانات أمريكية لعملية السلام مع تل أبيب . في الوقت ذاته كانت واشنطن تستحث الوكالة الدولية للنظر في موضوع ضرب المفاعل النووي السوري في أعالي الجزيرة السورية قبل بضعة أشهر . بمعنى آخر كانت الإدارة الأمريكية تريد أن تضع الملح على الجرح ، بمحاولتها عدم إدانة مثل هذا الاعتداء المشين ، بل والذهاب إلى مطالبة الوكالة الدولية بتكثيف عمليات التفتيش على المواقع السورية ، والمحطات المفترضة .
ولا شك أن القيادة السورية تساورها الكثير من الشكوك تجاه المواقف الإسرائيلية. وعدم الثقة السورية بالمواقف الإسرائيلية لها ما يبررها ، فيخشى السوريون بأن هذه الإيماءة الإسرائيلية ليست إلا محاولة لإبعاد سوريا من النفوذ الايراني ، وفصلها عن حزب الله وإنهاء دعم المقاومة اللبنانية من قبل الجانب السوري ، غير أن إصرار سوريا على مشاركة أمريكية في المفاوضات ليس له تبرير منطقي حقيقي . فالإدارة الأمريكية معروفة بعدائها الكامل لدمشق . وهناك تباين ولو جزئي بين إسرائيل والإدارة الأمريكية. والحقيقة أنه في الوقت الذي تومئ فيه تل أبيب بغصن زيتون تجاه دمشق ، فإن واشنطن تزيد من الضغوطات على سوريا ، وتعمل بصورة مكثفة إلى إحباط أي محاولة لفتح صفحة جديدة من المفاوضات بينهما . ويرى الرئيس بشار الأسد في مقابلته الصحفية التي نشرت في صحيفة الوطن القطرية في الأسبوع الماضي ، أن سوريا ليست في عجلة من أمرها وأنها تنتظر بفارغ الصبر وصول إدارة ديموقراطية إلى السلطة في واشنطن ، لتفتح معها صفحة جديدة من التعامل السياسي والدبلوماسي . وبالرغم من ذلك ، فقد بدأت أطقم المفاوضين السوريين والإسرائيليين أعمالها في أنقرة لوضع خطوط عريضة للمفاوضات المقبلة بين الجانبين .
سوريا من جانبها ترحب بأي مبادرة للسلام وتحرير الأرض السورية المحتلة . كما أن الموقف السوري الدولي في الوقت الحاضر ليس في أفضل حالاته ، خاصة بعد أحداث لبنان والجمود السياسي في المؤسسات اللبنانية . لذلك فإن مثل هذه المفاوضات تحرك الجو السياسي، وتشعر الأطراف الدولية المختلفة بأن مرحلة مهمة من مراحل الدبلوماسية السورية قد قربت على الانتهاء ، وأن هناك مراحل جديدة ستلج إليها الدبلوماسية السورية ، وربما تكون أكثر إنفراجاً ورحابة للعمل الدبلوماسي ، ولصورة سوريا إقليمياً وعالمياً .
من ناحيتها فإن إسرائيل حريصة على جذب سوريا بعيداً عن المواقف الإيرانية ، وفك رباط التحالف بينهما ، كما أنها حريصة على فك التحالف الثلاثي بينها وبين حزب الله . وأن أي مفاوضات سلام بينها وبين سوريا ستدفع السوريين لتخفيف دعمهم لحزب الله وقوات المقاومة في لبنان . ويبدو بالفعل أن الحكومة الإسرائيلية تضع إيران في قائمة أعدائها المحتملين، لذلك فإن جر سوريا إلى مفاوضات ثنائية سيزيد من عزلة إيران ويبعدها عن ما تعتبره إسرائيل مجالاً حيوياً لقدراتها العسكرية .
كما أن إسرائيل ليست متحمسة لعقد إتفاق سلام مع القيادة الفلسطينية ، بالرغم من حماس أبو مازن للتفاوض معها وإنجاح خطة بوش للسلام ، قبل مغادرة الأخير للبيت الأبيض . ويبدو أن أولوية السياسية الإسرائيلية هي في قضم المزيد من أراضي الضفة الغربية حتى تصبح مسألة إقامة دولة فلسطينية في غاية الصعوبة . وقد وضح ذلك مؤخراً من تعاقد الحكومة الإسرائيلية على بناء مائة منزل جديد في مستعمراتها في الضفة الغربية.
لذلك فمن مصلحة (اولمرت) فتح قنوات جديدة للتفاوض مع سوريا ليضغط بها على الجانب الفلسطيني ، وفي نفس الوقت ليؤخر عملية التفاوض مع الفلسطينيين ، مع إعطاء شعور لدى الرأي العام العالمي ، الذي ضاق ذرعاً بالسياسات الإسرائيلية ، بأن إسرائيل حريصة على السلام ، وأنها تتفاوض مع الفلسطينيين والسوريين في آن واحد.

للتواصل ارسل sms الى الرقم 88548 تبدأ بالرمز 119 مسافة ثم الرسالة