الفيصل.. وحد الأمة الاسلامية وحقق النصر للعرب

قاد الاصلاح وطور المجتمع بقدرة السياسي الحكيم والدبلوماسي الشجاع

هناء البنهاوي- القاهرة

أجمع نخبة من المثقفين المصريين الذين عاصروا الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود -يرحمه الله- على انه شخصية تاريخية ذات مواصفات خاصة وأكدوا على انه صاحب فكر ثاقب ونظرة استراتيجية، وقالوا ان ذلك تجلى في قدرته الفائقة على اعادة بناء الدولة السعودية بأسلوب عصري حديث مواصلا بذلك مسيرة والده الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -طيب الله ثراه- وعددوا ما قام به الملك الشهيد من خطوات ومواقف غير مستغربة لدعم التضامن الاسلامي ولم شمل الأمة العربية واستشهدوا في ذلك بدعمه وتحركاته وجهوده لتأسيس رابطة العالم الاسلامي ومنظمة المؤتمر الاسلامي، وبدوره التاريخي في نصرة القضايا العربية بعد نكسة حرب يونيو عام 1967 وحتى تحقق النصر العربي على اسرائيل في حرب اكتوبر عام 1973م، واوضحوا ان مواقفه -رحمه الله- كانت السبب الرئيسي والمباشر لرفع غمة الهزيمة واعادة الثقة للقوات المسلحة العربية في مصر وسوريا ودول المواجهة مع اسرائيل. وقالوا في ندوة «عكاظ» التي عقدت بالقاهرة ان التاريخ لن ينسى ما قدمه الملك فيصل لأمته العربية والاسلامية ولوطنه وشعبه في المملكة العربية السعودية.. وفيما يلي وقائع الندوة:
عكاظ: كيف ترون الدور الذي قام به المغفور له الملك فيصل في بناء الدولة؟
- الدكتور عبدالله الأشعل: تعد الفترة التي حكم فيها الملك فيصل البلاد بمثابة نقطة تحول أساسية في تاريخ المملكة العربية السعودية، خاصة انه قد استفاد من خبراته السياسية السابقة كوزير للخارجية في إدارة دفة الحكم في البلاد مما مكنه من تحقيق تحديث المجتمع السعودي، فبدأ بناء المجتمع السعودي بحركة إصلاح داخلي في المملكة، انطلاقا من الاهتمام بالإنسان وكرامته، ثم الإصلاح الاقتصادي بحسن إدارة وتوظيف عائدات النفط بما يحقق الوفاء بمتطلبات بناء الدولة الحديثة التي حافظت في الوقت نفسه على قيمها الدينية وثوابتها الثقافية، وطور وحدث في النظم القضائية والتعليمية والتجارية الحديثة جنبا الى جنب الثوابت التي يعتز بها ويحترمها المجتمع السعودي. وخاض الملك فيصل معركة التحديث في التعليم خاصة تعليم البنات وسط اعتراض الكثير انذاك لكنه عالجها بحكمة وسياسة ليست غريبة انتصر فيها لجهود التحديث في المملكة.
- الدكتور مصطفى عبد الرحمن: الحقيقة انه بعد الجهد الكبير الذي بذله الملك عبد العزيز آل سعود في توحيد المملكة وترسيخ أركانها في مرحلة التأسيس ومن ذلكم الاستقرار جاء الملك فيصل ليواصل ما بدأه الملك المؤسس وفي إطار خطى تنظيمية وتحديثية .
- الدكتور جمال زهران: الملك فيصل نجح في بناء الدولة السعودية الحديثة اعتمادا على أكثر من محور بالاضافة الى المحور الاقتصادي الذي كان رئيسيا في تحقيق نهضة البلاد وتحديثها ومن ثم ركز الملك فيصل على عمليات الإصلاح المالي، خاصة عندما وجد بلاده تواجه أزمة اقتصادية طاحنة، عكستها الديون لشركات البترول التي بلغت عند توليه مقاليد الحكم الى أكثر من 2000 مليون ريال، فاتخذ الملك فيصل عدة خطوات للإصلاح المالي، في مقدمتها تحرير الريال السعودي ثم اتجه لتطوير البلاد عبر العناية بالزراعة والصناعة، ووضع أسس شبكة محطات لتوليد الطاقة، بجانب تأسيس الصناعات البتروكيماوية، والحديد والصلب، والأسمنت، والتعدين. وتواكبت هذه الجهود مع جهود نشر العمران في الدولة، وتوفير كافة الخدمات وتطوير الإعلام،عبر إنشاء أضخم شبكة إذاعة وتليفزيون، ومحطات للاتصال بالأقمار الصناعية.
التضامن الاسلامي والعربي
عكاظ: وكيف تنظرون لجهود الملك فيصل –رحمه الله- في تبني التضامن الإسلامي والعربي ؟
- الدكتور عبد الله الاشعل: في تقديري ان التاريخ الحديث والمعاصر يشهد ويسجل في صفحاته تبنى الملك فيصل الدعوة إلى التضامن الإسلامي كتوجه رئيسي في سياسة المملكة الخارجية، فانطلق يزور البلاد الإسلامية، خاصة دول القارة الإفريقية وشبه القارة الهندية، مستعرضا أهداف دعوته للتضامن التي عبدت الطريق لقطف أول ثمار هذه الجهود وهي إنشاء رابطة إسلامية في منتصف ستينات القرن الماضي، والتي جاء إنشاؤها استجابة لحاجة الدول الإسلامية للتعاون في مواجهة التحديات العصرية السياسية والعقائدية، سواء الأخطار التي كانت تأتي من الشرق (الاتحاد السوفيتي في ذلكم الوقت) أو الغربية أو المؤامرات الصهيونية، أو الدعوات والمذاهب المناهضة للإسلام.
- الدكتور مصطفى عبد الرحمن : لا شك أن إنشاء رابطة العالم الإسلامي تعد النواة الأولي لإنجازات الملك فيصل في مجال تأسيس كيان إسلامي سياسي عالمي قادر على تحقيق القوة والمنعة للمسلمين والإسلام وقد تكرست قيم التضامن الإسلامي في أعلى مستوياته بإنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي عبر وضع ضوابط للتعاون في المجالات التي تهم الدول الإسلامية ، وللتحرر من قيود التبعية السياسية والاقتصادية والثقافية للدول المتقدمة. وقد ركز الملك فيصل في هذا السياق على فتح آفاق جديدة للتعامل الاقتصادي بين دول المؤتمر، والاستفادة من الانفراج الدولي والتعاون مع المعطيات السياسية المتغيرة بموقف متقارب يحمي مصالح أعضاء المنظمة، والتصدي للاجتياح الثقافي والغزو الفكري بالأساليب الحديثة، وإظهار محاسن الإسلام ومبادئه، وهو ما وظفه بشكل جيد خلال انفتاحه على إفريقيا، حيث قدمت لها المملكة الكثير من المساعدات الضخمة في عهد الملك فيصل وقدمت المملكة للدول الاسلامية والعربية مساعدات كبيرة لأجل دعم خطط التنمية ورفع كفاءاتها وقدراتها للتغلب على المصاعب الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن قلة مواردها. وقد تواكب مع هذه الجهود حرص الملك فيصل على تقديم الدعم المادي لكافة المؤسسات الإسلامية التعليمية والخيرية في العالم الإسلامي من أجل نشر الثقافة الإسلامية.
- الدكتور جمال زهران: لا شك ان الملك فيصل لم يدخر وسعا في سبيل تحقيق التضامن العربي والإسلامي واتخذ في سبيل إيمانه بقضية التضامن الإسلامي خطوتين أساسيتين لا يزال العمل الإسلامي يدور في رحابهما وهما رابطة العالم الإسلامي، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، والتي بفضلهما نجحت المملكة على الصعيد الآسيوي في جمع كل الفرق المتناحرة في أفغانستان في سبيل حقن الدماء الإسلامية والوصول إلى حلول سلمية لذلك النزاع والتي تمخض عنها مؤتمر مكة الشهير بين الأطراف الأفغانية بمشاركة باكستان.
بطل الانتصار
عكاظ: وما هي رؤيتكم لجهود الملك فيصل في دعم دول المواجهة وحرب أكتوبر؟

- الدكتور عبد الله الاشعل: في الحقيقة ان مواقف الملك فيصل حيال دعم دول المواجهة التي كانت تتحمل العبء الأكبر في مواجهة إسرائيل «مصر- الأردن وسوريا»، يتصف بالحكمة والشرف ويعكس إيمانا حقيقيا بأعلى معاني التضامن العربي، ففي عام 1967 سارع الملك فيصل بتأييد قرار الرئيس المصري جمال عبد الناصر بغلق مضيق تيران في وجه الملاحة الإسرائيلية «رغم موقف عبدالناصر من حرب اليمن انذاك»، وحشد الملك فيصل عشرين ألفا من القوات السعودية في الأراضي الأردنية. وفي أعقاب هزيمة 1967 بذل الملك فيصل جهودا كبيرة من أجل التعاون العربي لإعادة بناء القوات المسلحة في دول المواجهة.
كما يشهد التاريخ للملك فيصل انه أول من ابتكر دبلوماسية النفط في سياسة بلاده الخارجية كسلاح فاعل في حرب أكتوبر 1973، فقد استخدم هذه الدبلوماسية بطريقة أدهشت العالم القريب والبعيد، حيث ثبت الملك فيصل سياسة الحظر العربي للبترول دون زيادة أسعاره بهدف حث الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية المساندة لإسرائيل لاتخاذ موقف أكثر اعتدالا في إدارة الصراع العربي الإسرائيلي، مما ساهم كبيرا في إحراز نصر أكتوبر .
- الدكتور مصطفى عبد الرحمن : لعبت المملكة دورا رائدا في نصرة الحقوق العربية المشروعة لدول المواجهة، وبصفة خاصة نصرة الشعب الفلسطيني، خاصة وان القضية الفلسطينية قد احتلت مكانا بارزا في أجندة السياسية الخارجية السعودية في عهد الملك فيصل حتى أصبحت القضية الفلسطينية هي قضية العرب الأولى، ونجحت سياسته الخارجية بشكل كبير، وخاصة في افريقيا عبر طرد إسرائيل من 29 دولة افريقية بخلاف الدول العربية الأفريقية الأصل، وذلك خلال فترة وقف إطلاق النار عام 1973، وبجانب الدعم السياسي الذي قدمته المملكة بحظر تصدير البترول للغرب، ودعمها المادي والمتوصل لدول المواجهة، فإن المملكة شاركت بصورة مشرفة في الحرب ضد إسرائيل في رمضان 1393هـ أكتوبر 1973، من خلال مساهمتها بقوات عسكرية وطبية على الجبهة السورية، وبقوات أخرى كانت مرابطة على خط المواجهة في الأردن.
- الدكتور جمال زهران: كانت المملكة من أكبر الدول العربية التي تبنت تقديم الدعم ويد المساندة لدول المواجهة حيث أدرك الملك فيصل بحكمته ان هزيمة الجيوش العربية في حرب يونيو 1967م أثرت بشكل سلبي على القدرات النفسية للجيوش العربية في مواجهة العدو الإسرائيلي، فقامت المملكة بتعويضها عن باقي الخسائر المادية إلى حين إزالة العدوان الإسرائيلي. حيث التزمت المملكة بدفع 50 مليون دولار لدفع آثار العدوان، وقد برهنت الدبلوماسية السعودية بقيادة الملك فيصل -رحمه الله- في حرب أكتوبر 1973 على ان ما تتمتع به هذه الدبلوماسية من حكمة وقدرة على توظيف أوراقها التنافسية لتحقيق مكاسب سياسية للقضايا العربية وقت الشدة وهو ما تجلى في تصدير البترول إلى الولايات المتحدة الأمريكية في 26 أكتوبر 1973م، وهو القرار الذي أثار هزة عالمية على المستويين السياسي والاقتصادي، وابراز مدى حكمة العرب وقوتهم في آن واحد .

المشاركون

1ـ الدكتور عبد الله الأشعل: مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق للشؤون القانونية، وأستاذ القانون الدولي والخبير السياسي المعروف.
2ـ الدكتور مصطفى عبد الرحمن: نائب رئيس جامعة المنوفية وأستاذ القانون الدولي.
3ـ د. جمال زهران: أستاذ العلوم السياسية وعضو مجلس الشعب المصري.
شاهد وشهيد
الفيصل .. مواقف وانجازات
قاد الاصلاح وطور المجتمع بقدرة السياسي الحكيم والدبلوماسي الشجاع
الفيصل.. وحد الأمة الاسلامية وحقق النصر للعرب
هناء البنهاوي- القاهرة
أجمع نخبة من المثقفين المصريين الذين عاصروا الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود -يرحمه الله- على انه شخصية تاريخية ذات مواصفات خاصة وأكدوا على انه صاحب فكر ثاقب ونظرة استراتيجية، وقالوا ان ذلك تجلى في قدرته الفائقة على اعادة بناء الدولة السعودية بأسلوب عصري حديث مواصلا بذلك مسيرة والده الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -طيب الله ثراه- وعددوا ما قام به الملك الشهيد من خطوات ومواقف غير مستغربة لدعم التضامن الاسلامي ولم شمل الأمة العربية واستشهدوا في ذلك بدعمه وتحركاته وجهوده لتأسيس رابطة العالم الاسلامي ومنظمة المؤتمر الاسلامي، وبدوره التاريخي في نصرة القضايا العربية بعد نكسة حرب يونيو عام 1967 وحتى تحقق النصر العربي على اسرائيل في حرب اكتوبر عام 1973م، واوضحوا ان مواقفه -رحمه الله- كانت السبب الرئيسي والمباشر لرفع غمة الهزيمة واعادة الثقة للقوات المسلحة العربية في مصر وسوريا ودول المواجهة مع اسرائيل. وقالوا في ندوة «عكاظ» التي عقدت بالقاهرة ان التاريخ لن ينسى ما قدمه الملك فيصل لأمته العربية والاسلامية ولوطنه وشعبه في المملكة العربية السعودية.. وفيما يلي وقائع الندوة:

عكاظ: كيف ترون الدور الذي قام به المغفور له الملك فيصل في بناء الدولة؟

- الدكتور عبدالله الأشعل: تعد الفترة التي حكم فيها الملك فيصل البلاد بمثابة نقطة تحول أساسية في تاريخ المملكة العربية السعودية، خاصة انه قد استفاد من خبراته السياسية السابقة كوزير للخارجية في إدارة دفة الحكم في البلاد مما مكنه من تحقيق تحديث المجتمع السعودي، فبدأ بناء المجتمع السعودي بحركة إصلاح داخلي في المملكة، انطلاقا من الاهتمام بالإنسان وكرامته، ثم الإصلاح الاقتصادي بحسن إدارة وتوظيف عائدات النفط بما يحقق الوفاء بمتطلبات بناء الدولة الحديثة التي حافظت في الوقت نفسه على قيمها الدينية وثوابتها الثقافية، وطور وحدث في النظم القضائية والتعليمية والتجارية الحديثة جنبا الى جنب الثوابت التي يعتز بها ويحترمها المجتمع السعودي. وخاض الملك فيصل معركة التحديث في التعليم خاصة تعليم البنات وسط اعتراض الكثير انذاك لكنه عالجها بحكمة وسياسة ليست غريبة انتصر فيها لجهود التحديث في المملكة.
- الدكتور مصطفى عبد الرحمن: الحقيقة انه بعد الجهد الكبير الذي بذله الملك عبد العزيز آل سعود في توحيد المملكة وترسيخ أركانها في مرحلة التأسيس ومن ذلكم الاستقرار جاء الملك فيصل ليواصل ما بدأه الملك المؤسس وفي إطار خطى تنظيمية وتحديثية .
- الدكتور جمال زهران: الملك فيصل نجح في بناء الدولة السعودية الحديثة اعتمادا على أكثر من محور بالاضافة الى المحور الاقتصادي الذي كان رئيسيا في تحقيق نهضة البلاد وتحديثها ومن ثم ركز الملك فيصل على عمليات الإصلاح المالي، خاصة عندما وجد بلاده تواجه أزمة اقتصادية طاحنة، عكستها الديون لشركات البترول التي بلغت عند توليه مقاليد الحكم الى أكثر من 2000 مليون ريال، فاتخذ الملك فيصل عدة خطوات للإصلاح المالي، في مقدمتها تحرير الريال السعودي ثم اتجه لتطوير البلاد عبر العناية بالزراعة والصناعة، ووضع أسس شبكة محطات لتوليد الطاقة، بجانب تأسيس الصناعات البتروكيماوية، والحديد والصلب، والأسمنت، والتعدين. وتواكبت هذه الجهود مع جهود نشر العمران في الدولة، وتوفير كافة الخدمات وتطوير الإعلام،عبر إنشاء أضخم شبكة إذاعة وتليفزيون، ومحطات للاتصال بالأقمار الصناعية.
التضامن الاسلامي والعربي
عكاظ: وكيف تنظرون لجهود الملك فيصل –رحمه الله- في تبني التضامن الإسلامي والعربي ؟
- الدكتور عبد الله الاشعل: في تقديري ان التاريخ الحديث والمعاصر يشهد ويسجل في صفحاته تبنى الملك فيصل الدعوة إلى التضامن الإسلامي كتوجه رئيسي في سياسة المملكة الخارجية، فانطلق يزور البلاد الإسلامية، خاصة دول القارة الإفريقية وشبه القارة الهندية، مستعرضا أهداف دعوته للتضامن التي عبدت الطريق لقطف أول ثمار هذه الجهود وهي إنشاء رابطة إسلامية في منتصف ستينات القرن الماضي، والتي جاء إنشاؤها استجابة لحاجة الدول الإسلامية للتعاون في مواجهة التحديات العصرية السياسية والعقائدية، سواء الأخطار التي كانت تأتي من الشرق (الاتحاد السوفيتي في ذلكم الوقت) أو الغربية أو المؤامرات الصهيونية، أو الدعوات والمذاهب المناهضة للإسلام.
- الدكتور مصطفى عبد الرحمن : لا شك أن إنشاء رابطة العالم الإسلامي تعد النواة الأولي لإنجازات الملك فيصل في مجال تأسيس كيان إسلامي سياسي عالمي قادر على تحقيق القوة والمنعة للمسلمين والإسلام وقد تكرست قيم التضامن الإسلامي في أعلى مستوياته بإنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي عبر وضع ضوابط للتعاون في المجالات التي تهم الدول الإسلامية ، وللتحرر من قيود التبعية السياسية والاقتصادية والثقافية للدول المتقدمة. وقد ركز الملك فيصل في هذا السياق على فتح آفاق جديدة للتعامل الاقتصادي بين دول المؤتمر، والاستفادة من الانفراج الدولي والتعاون مع المعطيات السياسية المتغيرة بموقف متقارب يحمي مصالح أعضاء المنظمة، والتصدي للاجتياح الثقافي والغزو الفكري بالأساليب الحديثة، وإظهار محاسن الإسلام ومبادئه، وهو ما وظفه بشكل جيد خلال انفتاحه على إفريقيا، حيث قدمت لها المملكة الكثير من المساعدات الضخمة في عهد الملك فيصل وقدمت المملكة للدول الاسلامية والعربية مساعدات كبيرة لأجل دعم خطط التنمية ورفع كفاءاتها وقدراتها للتغلب على المصاعب الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن قلة مواردها. وقد تواكب مع هذه الجهود حرص الملك فيصل على تقديم الدعم المادي لكافة المؤسسات الإسلامية التعليمية والخيرية في العالم الإسلامي من أجل نشر الثقافة الإسلامية.
- الدكتور جمال زهران: لا شك ان الملك فيصل لم يدخر وسعا في سبيل تحقيق التضامن العربي والإسلامي واتخذ في سبيل إيمانه بقضية التضامن الإسلامي خطوتين أساسيتين لا يزال العمل الإسلامي يدور في رحابهما وهما رابطة العالم الإسلامي، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، والتي بفضلهما نجحت المملكة على الصعيد الآسيوي في جمع كل الفرق المتناحرة في أفغانستان في سبيل حقن الدماء الإسلامية والوصول إلى حلول سلمية لذلك النزاع والتي تمخض عنها مؤتمر مكة الشهير بين الأطراف الأفغانية بمشاركة باكستان.
بطل الانتصار
عكاظ: وما هي رؤيتكم لجهود الملك فيصل في دعم دول المواجهة وحرب أكتوبر؟

- الدكتور عبد الله الاشعل: في الحقيقة ان مواقف الملك فيصل حيال دعم دول المواجهة التي كانت تتحمل العبء الأكبر في مواجهة إسرائيل «مصر- الأردن وسوريا»، يتصف بالحكمة والشرف ويعكس إيمانا حقيقيا بأعلى معاني التضامن العربي، ففي عام 1967 سارع الملك فيصل بتأييد قرار الرئيس المصري جمال عبد الناصر بغلق مضيق تيران في وجه الملاحة الإسرائيلية «رغم موقف عبدالناصر من حرب اليمن انذاك»، وحشد الملك فيصل عشرين ألفا من القوات السعودية في الأراضي الأردنية. وفي أعقاب هزيمة 1967 بذل الملك فيصل جهودا كبيرة من أجل التعاون العربي لإعادة بناء القوات المسلحة في دول المواجهة.
كما يشهد التاريخ للملك فيصل انه أول من ابتكر دبلوماسية النفط في سياسة بلاده الخارجية كسلاح فاعل في حرب أكتوبر 1973، فقد استخدم هذه الدبلوماسية بطريقة أدهشت العالم القريب والبعيد، حيث ثبت الملك فيصل سياسة الحظر العربي للبترول دون زيادة أسعاره بهدف حث الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية المساندة لإسرائيل لاتخاذ موقف أكثر اعتدالا في إدارة الصراع العربي الإسرائيلي، مما ساهم كبيرا في إحراز نصر أكتوبر .
- الدكتور مصطفى عبد الرحمن : لعبت المملكة دورا رائدا في نصرة الحقوق العربية المشروعة لدول المواجهة، وبصفة خاصة نصرة الشعب الفلسطيني، خاصة وان القضية الفلسطينية قد احتلت مكانا بارزا في أجندة السياسية الخارجية السعودية في عهد الملك فيصل حتى أصبحت القضية الفلسطينية هي قضية العرب الأولى، ونجحت سياسته الخارجية بشكل كبير، وخاصة في افريقيا عبر طرد إسرائيل من 29 دولة افريقية بخلاف الدول العربية الأفريقية الأصل، وذلك خلال فترة وقف إطلاق النار عام 1973، وبجانب الدعم السياسي الذي قدمته المملكة بحظر تصدير البترول للغرب، ودعمها المادي والمتوصل لدول المواجهة، فإن المملكة شاركت بصورة مشرفة في الحرب ضد إسرائيل في رمضان 1393هـ أكتوبر 1973، من خلال مساهمتها بقوات عسكرية وطبية على الجبهة السورية، وبقوات أخرى كانت مرابطة على خط المواجهة في الأردن.
- الدكتور جمال زهران: كانت المملكة من أكبر الدول العربية التي تبنت تقديم الدعم ويد المساندة لدول المواجهة حيث أدرك الملك فيصل بحكمته ان هزيمة الجيوش العربية في حرب يونيو 1967م أثرت بشكل سلبي على القدرات النفسية للجيوش العربية في مواجهة العدو الإسرائيلي، فقامت المملكة بتعويضها عن باقي الخسائر المادية إلى حين إزالة العدوان الإسرائيلي. حيث التزمت المملكة بدفع 50 مليون دولار لدفع آثار العدوان، وقد برهنت الدبلوماسية السعودية بقيادة الملك فيصل -رحمه الله- في حرب أكتوبر 1973 على ان ما تتمتع به هذه الدبلوماسية من حكمة وقدرة على توظيف أوراقها التنافسية لتحقيق مكاسب سياسية للقضايا العربية وقت الشدة وهو ما تجلى في تصدير البترول إلى الولايات المتحدة الأمريكية في 26 أكتوبر 1973م، وهو القرار الذي أثار هزة عالمية على المستويين السياسي والاقتصادي، وابراز مدى حكمة العرب وقوتهم في آن واحد .

المشاركون

1ـ الدكتور عبد الله الأشعل: مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق للشؤون القانونية، وأستاذ القانون الدولي والخبير السياسي المعروف.
2ـ الدكتور مصطفى عبد الرحمن: نائب رئيس جامعة المنوفية وأستاذ القانون الدولي.
3ـ د. جمال زهران: أستاذ العلوم السياسية وعضو مجلس الشعب المصري.