ستون عاماً من الصمود

غازي عبداللطيف جمجوم

احتفلت إسرائيل قبل أيام بمرور ستين سنة على مولدها في 15 مايو عام 1948م، وقد جاءت إقامة هذه الدولة بتخطيط مسبق بعيد المدى، لإنشاء وطن يجمع يهود العالم في مكان واحد بعد تشتتهم في دول كثيرة، خاصة بعد تعرضهم لمذابح النازية خلال الحرب العالمية الثانية.. وجاءت مباركة الدول الغربية على قيام دولة إسرائيل سريعة وقوية تعويضا وتكفيرا عن تلك المذابح. استغلت إسرائيل كل ما لديها من قوة وتفوق علمي وإمكانيات ودعم لا محدود من أكبر دول العالم، كذلك كل ما لدى العرب من جهل وتخلف لتحقيق مكاسب كبيرة في كل فرصة سنحت لها. إسرائيل احتفلت باستمراريتها لستين عاما وبقوتها وتفوقها على الدول المحيطة وبانتصاراتها التي فرضت بها نفسها على المنطقة.
في المقابل، تعتبر الستون عاما الماضية نكبة على الفلسطينيين؛ عانوا فيها ولا يزالون يعانون الشيء الكثير من تقتيل وتشريد وسجن وحصار من مذبحة دير ياسين في عام 1948م إلى حصار غزة حاليا ومن أحوال كارثية في معسكرات اللاجئين التي يعيشون فيها في الدول العربية المجاورة، كما كانت نكبة على بقية العرب وهمّا دائما لهم بسبب الهزائم التي لحقت بهم والخلافات التي أحدثتها بينهم، وكانت قلقا متجددا للعالم بأسره بما سببته من حروب وأزمات خطرة هددت السلام العالمي. كانت ستين سنة من الظلم الفادح الذي وقع على الشعب الفلسطيني وعلى منطقة الشرق الأوسط وقف العالم خلالها عاجزا عن إنهاء هذا الظلم أو إصلاحه.
مع ذلك، لا يمكن النظر إلى نتائج أحداث هذه الستين عاما كفرحة كبرى لإسرائيل رغم الانتصارات المتلاحقة التي حققتها ولا حسرة دائمة للفلسطينيين والعرب رغم الهزائم المتعددة التي منوا بها.
ما زالت إسرائيل الجسم الدخيل المنعزل الذي ترفضه المنطقة، ومازال التوتر كبيرا مع أصحاب الأرض الشرعيين ومع الزخم العربي المحيط بها، وما زالت الهجمات الانتحارية والصواريخ تقلق راحتها. الإسرائيليون لا يشعرون بالأمن أو الاستقرار الحقيقي. معدل الهجرة إلى إسرائيل انخفض انخفاضا كبيرا بينما ارتفع معدل الهجرة منها إلى الخارج. أسطورة إسرائيل الكبرى أوشكت تزول من مخيلة العرب بعد أن اضطرت إسرائيل، رغم توسعها المبدئي، لإعادة الأراضي المحتلة من مصر عام 1967م تجنبا لحرب استنزاف معها، وبعد هزيمتها في جنوب لبنان وانسحابها منه ومن غزة ومن أجزاء من الضفة الغربية. الانسحاب من الجولان ثمن يجب أن تدفعه إسرائيل لتحقيق سلام تحتاجه مع سوريا، بدل أن تكبر إسرائيل وتنتشر أخذت تنكمش وتتقوقع. من مظاهر التقوقع هذا الجدار الذي تبنيه إسرائيل حول نفسها لوقف الهجمات كما تفعل الطفيليات لصد هجوم الجهاز المناعي في الجسم. التفوق العددي للفلسطينيين والعرب هاجس إسرائيل الأكبر لأنه يضعها أمام معادلة مستحيلة بين الانعزال للحفاظ على هويتها أو الاندماج في محيطها لإثبات شرعيتها. نقطة الضعف الإسرائيلية الأساسية تتمثل في فكرتها العنصرية بإقامة دولة يهودية مما لا يتمشى مع الأعراف الدولية ولا تقبله العولمة الحديثة. ونقطة ضعفها الثانية ظلمها الواضح للفلسطينيين المتمثل في اغتصاب أرضهم وتشتيتهم وإطالة معاناتهم. هذا الظلم لا يمكن أن تقبل به الإنسانية على المدى البعيد مهما سكتت عنه أو تغاضت عنه مؤقتا. أما نقطة ضعفها الثالثة فهي مشكلتها السكانية العددية. إذا كان انتصار إسرائيل في الستين عاما الماضية يتمثل في إنشائها واستمراريتها فإن انتصارها الحقيقي في المستقبل يتمثل في رفع الظلم عن الفلسطينيين والاعتراف بدولتهم وإنهاء معاناتهم، وكذلك في التعايش مع كافة جيرانها العرب. والفرصة متاحة أمامها الآن لتحقيق هذا الانتصار من خلال قبول المبادرة العربية للسلام المعروضة عليها والتي ما زالت ترفضها. وبدلا من الاستمرار في الصراع والمعاناة لستين عاما قادمة أصبح هناك حل مقبول يتمثل في إقامة وطن فلسطيني عاصمته القدس وفي حل مشكلة اللاجئين. وعلى إسرائيل الاختيار بين هذا الحل وبين التقوقع والعزلة.
القضية الفلسطينية ما زالت حية بل تزداد حياة كل يوم بسبب صمود الأشقاء الفلسطينيين.
أيها الأشقاء.. نهنئكم على صمودكم المجيد لستين عاما، فقد أبقى هذا الصمود قضيتكم وقضية العرب الأولى حية رغم كل ما مر بها من سلبيات بل طبعها في وجدان العالم، كل ما قدمتموه من شهداء وكل معاناة عانيتموها في المخيمات وتحت الحصار وفي السجون لم تكن سدى.
الستون عاما الماضية، كانت صمودا مشرفا للأشقاء الفلسطينيين أمام ظلم نزل عليهم دون أن يكون لهم يد فيه وفي سبيل قضية عادلة ووطن غالٍ يستحق كل تضحية، ومن حقهم هم أيضا وحق جميع العرب أن يحتفلوا بهذا الصمود.

للتواصل ارسل sms إلى الرقم 88548 تبدأ بالرمز 133 مسافة ثم الرسالة