حكاية النفط في بلادنا

غازي عبداللطيف جمجوم

النفط هو ذلك السائل العجيب الذي أودعه الله باطن الأرض في أماكن كثيرة منها صحراء بلادنا التي يتوفر تحتها ربع مخزون العالم من هذا الذهب الأسود. لعب النفط أكبر دور في توفير الموارد اللازمة التي ساعدت، بفضل الله، حكام هذا البلد وأبناءه على تحقيق نموه وازدهاره ووحدته واستقراره. حكاية النفط في بلادنا أشبه بالحلم الجميل الذي عاشه هذا البلد منذ 75 عاماً ولا يزال يعيشه.
خلال تلك الفترة كانت شركة الزيت العربية الأمريكية "أرامكو" التي تحتفل بعيدها الماسي هذه الأيام اللاعب الرئيس في اكتشاف النفط واستخراجه وتصديره، وقد نمت هذه الشركة حتى أصبحت أكبر شركة نفط في العالم. جدير بنا خلال هذه المناسبة السعيدة أن نستعيد ذكريات النفط وأثره على حياتنا في الماضي والحاضر وأن نفكر في مستقبل أبنائنا من بعده، وأن نشارك هذه الشركة العملاقة الاحتفال بنجاحها الذي هو نجاحنا جميعا.
قصة أرامكو مليئة بالأحداث الشيقة منذ بدايتها في عام 1933م حين وقعت المملكة اتفاقية مع شركة (Standard Oil of California) التي أحضرت فريقا من المستكشفين من كاليفورنيا إلى المملكة للبحث عن النفط. وفي بداية عام 1938م استدعى مجلس إدارة الشركة في سان فرانسيسكو الجيولوجي ماكس ستاينيكي لمعرفة أسباب فشل فريقه في العثور إلا على كميات ضئيلة من الزيت بعد خمس سنوات من البحث المضني، ومناقشة احتمال الانسحاب الكامل من عمليات التنقيب في المملكة.
وقد وصل عدد موظفي الشركة في المملكة في ذلك الوقت إلى 62 أمريكيا و1076 سعوديا. ولكن ستاينيكي أبدى ثقته بوجود كميات كبيرة من النفط ونجح في إقناع مسؤولي الشركة بإعطاء الفريق فرصة أطول. وظهر النجاح سريعا عقب ذلك الوقت بعد التعمق في حفر البئر رقم (7) (بئر الخير) في مارس 1938م الذي أنتج 32 مليون برميل خلال الـ45 سنة التالية من عمره. وقد أثمر التنقيب بعد ذلك عن اكتشاف حقل الغوار أكبر حقل في العالم على اليابسة وحقل السفانية أكبر حقل في العالم تحت الماء. اليوم يقدر احتياطي المملكة بـ 260 بليون برميل من النفط وهو الأول في العالم و 248 تريليون قدم مكعب من الغاز وهو الرابع في العالم.
الكثير من الأحداث التاريخية لشركة أرامكو يمكن الرجوع إليها من خلال مصادر مختلفة أسهلها موقع الشركة المتميز على الشبكة العنكبوتية وهو ثري بالأرقام والصور التاريخية القيمة التي من أجملها صور زيارة الملك عبد العزيز للشركة واجتماعه مع موظفيها عامي 1939م و1947م، وكذلك صور المستكشفين والعمال الأوائل من أبناء هذا البلد ممن شاركوا في عمليات البحث والتنقيب، وصور آبار البترول الأولى.
اليوم تشهد بلادنا طفرة مباركة جديدة يدشن فيها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز العديد من المشاريع التنموية الكبرى التي تكلف مئات البلايين من الريالات في مختلف أنحاء المملكة يعود فيها الفضل إلى عائدات النفط الذي منّ الله العلي الكريم به علينا.
أسترجع هنا بعض الانطباعات التي تكونت لديّ عبر السنوات عن الشركة مما قرأته أو سمعته من الزملاء من مختلف أنحاء المملكة الذين عملوا بالشركة أو من أبناء المنطقة الشرقية الذين نشأوا بجوارها. من أهم جوانب نجاح أرامكو علاقتها المتميزة مع موظفيها الذين يصل عددهم إلى 51,356 أغلبهم من السعوديين من جميع أنحاء المملكة. بدأ كثير من هؤلاء الموظفين العمل كعمال بسيطين ولكنهم اكتسبوا طباع الانضباط والجدية والتفاني وتمكنوا من تطوير قدراتهم أو متابعة تعليمهم حتى وصلوا إلى أعلى المناصب..
كما عمل آخرون مع الشركة كمتعهدين أو مقاولين وتدرجوا حتى أصبحوا من كبار المليارديرات. الشركة مليئة بقصص النجاح لمثل هؤلاء وهؤلاء. وأكثر موظفي أرامكو القدامى يعبرون عن سعادتهم بالعمل مع الشركة واستفادتهم الكبيرة منها.
إسهامات أرامكو كثيرة مثل تنمية بعض المدن الحديثة في المنطقة الشرقية مثل الخبر ورأس تنورة، ووضع النواة للمشاريع البتروكيميائية العملاقة في الجبيل وينبع، وبناء أكثر من 200 مدرسة ووضع نواة جامعة البترول (جامعة الملك فهد حاليا) وبناء المستشفيات والمشاريع الصحية ومنح آلاف البعثات للشباب للدراسة في الخارج وإرسال العمال والموظفين في الدورات التدريبية، ومنح القروض لبناء المساكن التي ارتفعت حتى وصلت حاليا إلى مليون ونصف ريال للقرض الواحد، وتشجيع عمل المرأة. وقد ساهمت أرامكو في استئصال الملاريا من المنطقة الشرقية منذ فترة طويلة وكذلك في مكافحة مرض التراخوما. وحاليا تساهم في إنشاء جامعة الملك عبدالله على الساحل الغربي.

للتواصل ارسل sms إلى الرقم 88548 تبدأ بالرمز 133 مسافة ثم الرسالة