التعليم التقني يتراجع وخريجوه ليسوا على المستوى المطلوب

رافضاً إلغاء بعض الأقسام ومؤيداً التوسع في الجامعات

عكاظ - جدة8

في حلقة الأمس تحدث فؤاد غزالي أمين العاصمة المقدسة سابقا عن مدرسة رضا عبيد في الادارة وإلى أي مدى تعلم واستفاد من هذا الرجل الذي يتيح لمن يعمل معه أن يتعلم دون أن ينتقده أو يوجهه. كما تحدث عن فلسفته العملية ورغبته وحرصه الدائم على التجديد والتغيير والتطوير.
وتطرق غزالي إلى الدراسة التي اجراها على المعيدين والمحاضرين ضمن فريق متكامل استطاع ان يحل بالعديد من التوصيات والقرارات مشاكل لاحصر لها كان يعاني منها المعيدون واعضاء هيئة التدريس. واليوم يعلن غزالي رأيه صريحا في التعليم التقني والمهني ويصفه بأنه يتدهور ويتراجع للخلف، ويتهم خريجيه بأنهم ليسوا على المستوى المطلوب، مطالبا بإعادة استنساخ تجربة المعهد الملكي التقني الذي يعتبره أنموذجا في هذا النوع من التعليم.

كلية تصاميم البيئة هل تستحق أن تكون كلية.؟
- بالطبع تستحق أن تكون كلية، لأجل أن تأخذ التميز في ما تقدمه من برامج، ولأجل ألا يتدخل فيها تقريبا من هم ليسوا بمختصين فيها، لان طبيعة الدراسة بها تختلف تماما عما تقدمه العلوم الأخرى، حتى شخصيات طلبة هذه الكلية تجدها تختلف تماما عن شخصيات الطلبة الموجودين في الهندسة العامة تماما.
وما الذي تحتاجه الجامعة في الوقت الحاضر.. هناك من يطالب بإقفال بعض الاقسام والتوسع في أخرى؟
- عندي نظرية في هذا الموضوع، يمكن يوجد الكثير من الأوائل في الجامعة يفكرون نفس التفكير، ان الجامعة هي في المقام الأول والرئيسي للمعرفة وليست للتوظيف، والتوظيف يأتي في المرتبة الثانية، وهو يبقى هدفا لا يمكن إغفاله.
هل هذا رأيك الشخصي؟
- نعم يبقى رأيي الشخصي، اعتقد أن هناك بعض الأقسام بدلا من ان نتوسع فيها لابد أن يكون القبول بها محدودا فالاستغناء عن قسم أمر صعب خصوصا إذا كان في جامعة شاملة، مثل جامعة الملك عبدالعزيز، لذلك لا يمكن المطالبة بإلغاء قسم التاريخ او الجغرافيا أو الاجتماع لأجل أن الخريجين لا يجدون فرصا للتوظيف.
هذا يعني انك ضد سياسة إلغاء بعض الأقسام؟
- لا أؤيد هذا الأمر، وفي نفس الوقت أؤيد عدم التوسع في الأقسام التي ليس عليها طلب، وارى أن تبقى هذه الأقسام على نطاق ضيق، طالما أن القسم موجود من الأساس فمن الخطأ أن تلغي قسما علميا. والدولة توسعت كثيرا في افتتاح الجامعات وبكثرة الآن والتوسع هذا يعتبر توسعا مبررا للحاجة الماسة لان يكون هناك جامعات تخلق فرصًا لإنارة الشباب وفتح أبواب العمل أمامهم.

هل يعني هذا انك مع سياسة التوسع في الجامعات؟
- نعم أنا مع توسع وإنشاء الجامعات حتى تخلق فرص دراسة لمن يرغب في الدراسة الجامعية، والجامعات التي يتم إنشاؤها لابد من دعمها وعدم تركها كجامعة ليس فيها أعضاء هيئة تدريس ومعيدون وفنيون وأجهزة، والجامعة ليست فقط مكانا فيها فصول ومدير وموظفون ومدرسون.. الجامعة لابد ان تكون مكتملة من جميع النواحي حتى تؤدي الغرض المطلوب منها وتؤدي الرسالة المطلوب منها أداؤها.

وهل هناك نوعية خاصة للجامعات تراها أكثر ملاءمة لروح العصر؟
- أنا حقيقة مع الإكثار من الجامعات التقنية، ونحن لنا تجارب مع ألمانيا وغيرها وعلينا أن نأخذ بالتجارب الصحيحة، وان نبتعد عن الأشياء المتناثرة.

وما الذي يدفعنا للأخذ بتلك التجارب؟
- نجاح الدول التي سبقتنا في الأخذ بتلك التجارب اكبر دافع لنا للأخذ بها.

مثل من ؟
- هناك تجارب في ماليزيا فيما يخص الكليات العلمية، التي توفر المصانع ليقوم المتدربون بالتدريب بها، وهي كليات علمية، باتت تشكل مدنا علمية منتجة في ماليزيا.

هل يتم التدريب في نفس الكليات؟
- لا ، هناك كليات علمية معروفة بتخصصاتها، وجهت الدارسين بها لمصانع لكي يتدربوا فيها عمليا في نفس مجالات دراستهم، وهي مصانع منتجة في مجالات معينة، كونهم درسوا هذه المجالات بتوسع، وهو ما نطلق عليه بـ “تجارب المدن العلمية”، حيث بادر خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز يحفظه الله فأنشأ جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية.
ولكنها للدراسات العليا؟
- نعم هي للدراسات العليا، ولكن تخصصاتها يغلب عليها الجانب العلمي التقني، الأمر الذي سيرافقه تطبيق عملي يتوافق مع تلك التخصصات العلمية وهي تمثل تجربة جيدة كونها تتيح للدارس إكمال دراسته العليا، وستكون مفتوحة للمتميزين سواء كانوا سعوديين أو غير سعوديين .
وهل بالضرورة أن يتجه جميع الخريجين للجامعات؟
- لا بالطبع، ولكن في مجتمعنا هذه هي العقلية السائدة ان كل شخص لابد ان يتجه للجامعة!
خريجو هذه الجامعات كم نسبة العاملين منهم؟
- أقل من خمسين في المائة تقريبا، حتى في الجامعات الجديدة التي استحدثت مؤخرا.
ليسوا في المستوى
وباقي الخريجين؟
- اثبت الواقع أن الخريجين من التعليم الفني والتدريب المهني ليسوا في المستوى الذي يرغب فيه الكثير من المصانع والجهات الأخرى التي تحتاج إلى الفنيين المؤهلين، وهو ما يثبت أن تجربة التعليم الفني والتدريب المهني يجب أن تستقى من تجارب ناجحة لدول ناجحة مثل ألمانيا وبعض دول أوروبا الشرقية وحتى في أمريكا، وأنا اعتقد أن معاهد التعليم الفني والتدريب المهني لم تثبت أن خريجيها كانوا متميزين، عكس ما كان عليه خريجو هذه التخصصات سابقا.

ومتى سجل النجاح لخريجي هذه المعاهد؟
- بدأ التعليم الفني والتدريب المهني بداية صحيحة - لا ادري إن كنت تذكرها أو لا تذكرها- في معهد بالرياض كان يسمى بـ “المعهد الملكي التقني”، وكانت بدايته صحيحة وجيدة وبرامجه متميزة وخريجوه على أعلى كفاءة.

وما الذي غير هذا الوضع؟
- تدهورنا، فبدلا من أن نرتقي لمستويات أفضل أو حتى نحافظ على ذات المستوى تراجعنا.

نحن الآن ماذا نحتاج بالضبط؟
- أكثر ما نحتاج إليه أن نسلك الاتجاه الصحيح، هناك أناس سبقونا ولديهم الخبرة، ليس مطلوبًا منا أن نأخذ ذلك النجاح ومن ثم نكيفه بالطابع السعودي، لا هي خبرة، أنت لا تتحدث عن جيل وإنما تتحدث عن تقنية وعن تدريب تقني وتدريب فني ومهني، لذلك علينا أن نأخذ بالتجارب الناجحة.

بدء خطوات النجاح في هذا المجال.. كيف لنا أن نهتدي إليها من وجهة نظرك؟
- علينا أن نعود إلى تجربتنا الأولى في هذا المجال ونتساءل لماذا كان المعهد الملكي التقني الذي كان موجودا في الرياض ناجحا وعلى أعلى مستوى، ومن كان المسؤول عنه في ذلك الوقت، وما هي البرامج التي كان يعتمدها، وما هي طبيعة دراسته، ومن ثم نسير على ذات النهج الذي كان يسير عليه، نحن تدهورنا وما تبقى هو مجرد تدريب فني وتعليم مهني.

سوق العمل ألا يحتاج لنوعية خاصة من خريجي هذه المعاهد.. وكيف السبيل؟
- نحن نحتاج أولا إلى أن نكثر من خريجي المعاهد الفنية والتقنية لان هذا النوع من التعليم يشغل تقريبا معظم الوظائف الموجودة في القطاع الخاص وتحديداً في المصانع والمعاهد والمعامل وفي المجالات المختلفة التي يحتاج أليها البلد.

وهل يقتصر النجاح على خريجي المعاهد فقط؟
- ليس شرطا أن يكون المشتغل في هذا المجال خريجا لأحد المعاهد، ومن الممكن لخريج الثانوية العامة ممن يملك الموهبة والحرفية ان يكون مستقطبا من قبل القطاع الخاص. وبالنسبة للمنتسبين للمعاهد الفنية والتقنية، لماذا لا تتاح لهم بجانب دراستهم النظرية فرصة الدراسة في الكليات التقنية التي تتوافر بها البرامج التي من شأنها أن تصقل مواهبهم، وليس شرطا أن يقبل جميع خريجيها في هذه الكليات.

تحدثت عن المعهد الملكي التقني كأنموذج.. ما سر إعجابك به؟
- إعجابي يعود لزمن بعيد عندما كنت في الـ 18 أو 20 سنة حينما كنت طالبا في جامعة البترول والمعادن، فقد كنا نذهب حينها إلى المعهد الملكي وكان وقتها الطلب كبيرا على خريجيه.
المعهد الملكي
تجربة المعهد الملكي ألا يمكن استنساخها في الزمن الحاضر؟
- يمكن استنساخها متى ما عدنا إلى تفاصيل تلك التجربة والعوامل التي ساعدت على نجاحها، ولعل المعهد الموجود في طريق مكة المكرمة وهو المعهد الياباني التقني التابع لتويوتا والإقبال الكبير على خريجيه الذين يعمل القطاع الخاص على استقطابهم نظير ما يلقونه من تدريب عملي على أيدي مدربين يابانيين، يعد أنموذجا مثاليا لما يجب أن تكون عليه معاهد التدريب الفني والتقني.

وما الذي يمنع وجود معاهد على مستوى عال، مثلما تسنى لـ “المعهد الياباني”؟
- تجربة المعهد الياباني التابع لعبداللطيف جميل ماثلة أمامنا، وعلى رجال الأعمال أن يستفيدوا من هذه التجربة في مجالات أخرى، خصوصا أن لدينا مصانع مثل سابك وشركات ضخمة وكبيرة، ومن الممكن أن يشترك مجموعة منهم في مجال من المجالات.

ولكن فكرة المعهد الياباني جاءت بمبادرة من محمد عبداللطيف جميل؟
- مبادرة محمد عبداللطيف جميل جاءت نظير أرباحه العالية التي حققها كوكيل لشركة تويوتا، الأمر الذي ساعده لأن يتبنى هذا المشروع، ولكن هناك من رجال الأعمال من لا يملكون الاستطاعة للخوض في هذا المجال بمفردهم، وهم بحاجة لأن تدعمهم الدولة، فحتى نقضي على البطالة، لابد أن يكون خريجونا قد تدربوا بشكل صحيح ليتسنى لهم الدخول لسوق العمل وتحصيل عائد مجزٍ.
تجربتي في مكة
حدثنا عن تجربتك في العمل بأمانة العاصمة المقدسة وكيف تم اختيارك؟
- بدأت العمل فيها عام 1418هـ، حدثني صديق عزيز فقال لي: لقد عرفت بأنك احد الأشخاص الذين وقع عليهم الاختيار لتكون أمينا للعاصمة، ومطلوب منك الآن أن تقابل وزير الشؤون البلدية والقروية - وكان وقتها الدكتور محمد الجارالله- وسيسألك عن مدى موافقتك على هذا التكليف من عدمه..

وكيف كان وقع الخبر عليك؟
- وقع علي الخبر كالصاعقة، لأنه لم يكن في حسباني تماما ان اقفز من الجامعة إلى مكة المكرمة لأكون أمينا، وفي مجال مختلف تماما عن المجال الذي اعمل فيه .

وماذا حصل بعد ذلك؟
- ذهبت إلى مكتب وزير الشؤون البلدية والقروية ولأول مرة اتعرف فيها علىّ الدكتور الجارالله، وإن كان قد سأل عني الدكتور أسامة شبكشي، ويمكن كان الدكتور أسامة محطة عبور قبل الوصول للدكتور الجارالله، فتعرفت عليه وكان جدا لطيفا ومهذبا وخلوقا وعلى مستوى عال من الأخلاق والتهذيب وحسن التعامل، وهو ذات الانطباع الذي خرجت به طوال عملي معه لمدة 4 سنوات كأمين للعاصمة المقدسة، وبعد أن سلم عليّ وسألني عن الجامعة قال لي بأنه وقع الاختيار عليّ لأكون أمينا للعاصمة المقدسة من ضمن عدة أسماء كانت مرشحة، وبأنه كلف أن يسألني عن مدى موافقتي أو عدم موافقتي، فقلت له يشرفني أن أخدم بلدي من أي موقع كان، وكان هذا اللقاء قبل شهرين أو شهرين ونصف من صدور القرار، بعد ذلك حادثني الأمير ماجد بن عبدالعزيز – يرحمه الله- أمير المنطقة انذاك على نفس الموضوع، وأنا لم تكن تربطني أي علاقة به غير المناسبات التي كانت تقام في الجامعة ومعرفته بي كانت معرفة سطحية كاستاذ جامعة، ولو قدر له أن يشاهدني في مكان آخر لما عرف أني فؤاد غزالي.
هؤلاء رشحوني
هل تسنى لك معرفة الشخص الذي قام بترشيحك؟
- اعتقد أن ترشيحي تم من خلال الدكتور غازي عبيد مدني ومن قبل بعض الإخوان ممن كانوا على علاقة بالأمير ماجد بن عبدالعزيز – يرحمه الله- فقد كان يسألهم عن ترشيح شخص لأمانة مكة المكرمة، وما يجعلني اشعر بأن ترشيحي تم عن طريق الدكتور غازي وبعض الإخوان ممن تربطهم علاقة بالأمير الراحل.

ومن قام بإبلاغك بالخبر؟
- جاءني اتصال من الديوان الملكي من سمو الأمير عبدالعزيز بن فهد وطلب مني الحضورإلى الديوان، وبالفعل جئته وفي ذلك اليوم دخلت إلى قصر السلام ووصلت إلى مكتبه.
ألم يلمك إخوانك وأهل بيتك على عدم اطلاعهم بموضوع ترشيحك للأمانة؟
- بالفعل بعد صدور القرار، لاموني أهلي قائلين” كيف الناس كلها تعرف ونحن آخر من يدري.