العلماء: الاستمطار إن نجح فهو من الأخذ بالأسباب؟

دعوا الى بيان للناس تجنباً للخطر العقدي

على صمان - الباحــة، عبدالله الداني - جدة

أجريت مؤخرا في بعض الدول الخليجية تجارب ناجحة بغرض استمطار السحب بعملية يسميها البعض بتلقيح السحب بواسطة الطائرات وقوبلت تلك التجارب بالترحيب, لحاجة المجتمعات الخليجية الماسة إلى الماء، إلا أنها أثارت على الجهة الأخرى بعض الإشكالات والاستفهامات. بيد ان كثيرا من العلماء الراسخين والمتخصصين رأوا خلاف ما رأى هؤلاء, وقالوا بجواز عمليات الاستمطار كون الشريعة الإسلامية لا تتعارض مع العلم خاصة وأن التعامل في تلك التجارب يكون من خلال تلقيح السحب الذي يشبه تلقيح الأنابيب الاصطناعي. ملحق (الدين والحياة) عرض هذه القضية على بعض الدعاة لاستشراف رأيهم حول القضية:
ابتداء علق الشيخ د.عوض القرني على الموضوع بقوله " الذي يظهر لي والله أعلم هو جواز عملية الاستمطار، وان هذا هو من باب الأخذ بالأسباب مثل أن يحفر الرجل البئر ليأخذ الماء ويبذر البذور ليستنبت الشجر. وأضاف د.القرني: وأما دعوى انه يؤثر على مفاهيم الناس وعقائدهم وتوكلهم على الله تعالى فإن الواجب حينها تبيين ذلك للناس وان هذا المحذور منه يقع في ما سواه أيضا وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه ذات يوم فيما يخص المطر العادي إذ قال لهم قال الله تعالى (أصبح من عبادي اليوم مؤمن بي وكافر...) الخ الحديث وبالتالي فإن الواجب تعليم الناس وتوعيتهم بحقيقة منزل المطر وهو الله تعالى وليس احدا سواه يستطيع فعل ذلك، فلا خوف من العقيدة منه إذا تم ّ تنبيه الناس لذلك.
وأما ما يقال عن انه إهدار للأموال، فقال د.القرني: لا أفتي بذلك ويعاد في معرفة ذلك لأهل الاختصاص وحسب جدوى هذا الاستمطار فإن كان يرى فيه أن مردوده جيد مثلا بالمقارنة مع ما يصرف فيه كان ذلك سائغا وان كانت مضاره كثيرة ومردوده قليل فإنه حينئذ لا يقال بمشروعيته ويظهر لي من الناحية الشرعية ترجح فعل ذلك والله اعلم وفي نهاية الأمر يتوقف هذا على بيان أهل الاختصاص والرأي والدراية في هذا الجانب.

الاستمطار والتلقيح الصناعي
وفي هذا الصدد يشير رئيس قسم الدراسات القرآنية بكلية المعلمين بجامعة الباحة الدكتور حامد مسفر غرابان أن عملية تلقيح السحاب ـ وهو ما يعرف باستمطار السحاب ـ من العمليات المعاصرة, ومن مستجدات العلم الحديث, وقد تباينت آراء العلماء حول هذه النازلة, ما بين مؤيدٍ, ومعارض،ومستنكرٍ، وقال, كل له وجهة ينبغي أن تُحْتَرم, والحق أحق أن يتبع وأضاف، وأما مفهوم الاستمطار العلمي اليوم: فهو محاولة إسقاط الأمطار من السحب الموجودة في السماء بالطرق العلمية التجريبية.
وحول النظرة الشرعية لتلك التجارب أكد الدكتور غرابان, أن الشريعة الإسلامية لا تعارض العلم, ولا يزال هذا العقل ـ الذي هو هبة من الله تعالى ـ يكتشف ما بين فترة وأخرى شيئاً من قدرة الله تعالى في هذا الملكوت الذي سخره الله تعالى للإنسان، وإذا ما أمعنا النظر في عملية الاستمطارـ تلقيح السحب ـ فإنه لا يوجد ما يدل على منع هذا الفعل من حيث الأصل ـ والله أعلم ـ إذ أن هذا العمل لا يعدو عن كونه تلقيحاً للسحاب المخلوق الذي أنشأه الله تعالى بإحدى الطرق المذكورة, أشبه بالتلقيح الصناعي لأطفال الأنابيب، وكذلك ما يحصل في الزراعة وغيرها, فالإنسان بفعله هذا لا يدل على الاتصاف بما انفرد الله به من صفات كالإيجاد من العدم فهو (ليس كمثله شيء وهو السميع العليم) وليس تطاولاً على قدرة الله تعالى, فهو لا يدل على أنه إيجاد من العدم ،أو أن هناك من يوجد من العدم غير الله.

الاستمطار من الأسباب
ويقول الدكتور عبد الله بن إبراهيم اللحيدان رئيس الجمعية العلمية السعودية للدراسات الدعوية: الذي سمعته من علمائنا أن هذا الاستمطار ما هو إلا أسباب، فالذي يأتي بالسحب هو الله عز وجل ولا احد يتصرف بهذا ولو أراد الله جل وعلا ألا يمطر شيئا ما أمطر وما حصل شيء من هذا القبيل فكونه أن يكون هناك أسباب معينة لإنزال هذا المطر هو سبب فالذي يبذر البذور في الأرض يفعل الأسباب لتنتج الأرض وكذلك مايفعله في السماء من إنزال المطر، فالمنزل للمطر هو الله جل وعلا ولو اجتمعوا كلهم على أن ينزلوا شيئا من هذه الأشياء لم يردها الله جل وعلا لم يكن، فكيف يكون هذا تدخلا في مشيئته تعالى. يجب فيه أن يعاد الناس إلى أساس دينهم لأن هذا الأمر من عنده جل وعلا وليس من عند احد والإنسان مطالب بفعل الأسباب مثل من يركب الطائرة للسفر فهي تكون فعل سبب للوصول لمنطقة معينة مثلا وإلا لقيل: لايجوز أن يركب الإنسان الطائرة أو السيارة أو السفينة وبالنظر إليها نجدها كلها مسببات لهذه الأغراض وأؤكد أن هناك علماء ومشايخ أفتوا بجواز هذا العمل سواء على مستوى المملكة وغيرها.

الدعاء أولى
ذكر الباحث الشرعي الدكتور عبدالله السحيباني أن الحقيقة في مثل هذا العمل لا يظهر فيه محذور أو مانع شرعي, وإذا كان نزول المطر بأمر الله وحده وهو من علم الغيب الذي استأثر الله به كما في قوله سبحانه : "إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ"[لقمان:34]، فالله هو المنفرد بإنزال المطر، وهو الذي يعلم وقت نزوله وإذا كان الأمر كذلك، فقد شرع الله لعباده المؤمنين أمراً هو أرجى من محاولات الاستمطار التي لم يثبت نجاحها، ألا وهو دعاؤه سبحانه، وطلب السقيا منه، فالمطر من فضل الله ورحمته، الذي يستجلب بدعائه والتضرع إليه سبحانه،وفيما يظهر لي – أنه لا بأس به ولا مانع منه.
وأضاف في بحث مطول له : ومع أن الأصل في مثل هذا العمل هو الجواز والإباحة.