بريطانيا: العودة لنظام الحزبين
الثلاثاء / 20 / ربيع الثاني / 1441 هـ الثلاثاء 17 ديسمبر 2019 01:35
طلال صالح بنان
فاز حزب المحافظين البريطاني في الانتخابات العامة، التي أجريت يوم الجمعة الماضي، بأغلبية ساحقة، تمكنه من تشكيل حكومة جديدة، لا يشاركه فيها أي من الأحزاب الأخرى، كما كان الحال فترة البرلمان (المعلق) السابق. في الفترة وخلال السنوات الخمس الماضية عانت بريطانيا من عدم استقرار سياسي، كان من نتيجته إجراء ثلاثة انتخابات عامة، انتهت نتيجة اثنين منها لإخراج برلمان معلق، بحكومة ائتلافية غير مستقرة.
خلال الفترة السابقة والنظام السياسي البريطاني كاد يفقد نظام الحزبين، ومعه الاستقرار السياسي التقليدي، الذي عُرف عن الديموقراطية البريطانية العريقة. تاريخياً: كانت بريطانيا تُحكم بنظام حزبي مستقر، عماده حزبان رئيسيان (المحافظين والعمال) يتناوبان الحكم والقيام بدور المعارضة، في فترات إن لم تكن متتالية، إلا أنها كانت منتظمة ومتوقعة، بشكل كبير.
لم يكن سبب عدم الاستقرار السياسي في النظام البريطاني، في الفترة الماضية، الاختلاف في المنطلقات الإيديولوجية للحزبين الرئيسيين الكبيرين.. أو الاختلاف السياسي بينهما حول القضايا ذات الصلة بالأوضاع الداخلية، بقدر ما كان حول قضايا خارجية، لها علاقة بعضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي. حكومة المحافظين التي كان يرأسها ديفيد كاميرون، في فترة حكمها الثانية، رغم أنها كانت تحظى بالأغلبية المطلقة في مجلس العموم، إلا أنها لم تكن تلك الأغلبية، التي تعطي تفويضاً لها للتعامل مع قضية إقليمية ومحلية حساسة، مثل: عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي.
لذا نجد ديفيد كاميرون يغامر بدخول رهان مصيري حاسم، على مستقبله السياسي ومستقبل حزبه، عندما دعا لإجراء استفتاء، من أجل حسم الجدل المتنامي في بريطانيا حول العضوية في البرلمان الأوروبي، وكان هو وحكومته يدعمان البقاء في الاتحاد.. ووعد بالاستقالة من زعامة الحزب ورئاسة الحكومة، إذا جاءت نتيجة الاستفتاء سلبية. أُجري الاستفتاء في ٢٣ يونيو ٢٠١٦ وصوت الشعب البريطاني بـ(لا) لتظهر مشكلة جديدة تدور حول كيفية الخروج وتكلفته.
بخروج ديفيد كاميرون من زعامة الحزب ورئاسة استلمت تيريزا ماي زعامة الحزب، ورئاسة الحكومة، لثلاث سنوات (١٣ يوليو ٢٠١٦ – ٢٣ يوليو ٢٠١٩) لتكمل الحكومة المحافظة فترتها الثانية في الحكم، حتى ٢٠٢١، إلا أن تيريزا ماي قدَّرَت أنه ليس بإمكانها التصدي لمشكلة خروج بريطانيا، وحكومتها تتمتع بأغلبية مطلقة (ضئيلة) في مجلس العموم، لتقرر المغامرة وخوض انتخابات مبكرة، لعلها تعزز موقف حكومتها في البرلمان.. وتؤكد زعامتها للحزب. في ٨ يونيو ٢٠١٧ ذهب البريطانيون لصناديق الاقتراع، ليعلنوا رفضهم لحكومة السيدة ماي التي خسر حزبها هذه المرة أغلبيته في البرلمان، لتعود أجواء عدم الاستقرار، التي سادت فترة حكم المحافظين بزعامة كاميرون الأولى (٢٠١٠)، لتُحْكَم بريطانيا بحكومة ائتلافية ضعيفة، في ظل برلمان معلق، للمرة الثانية، خلال سبع سنوات!
حكومة ائتلافية ضعيفة، في ظل مجلس عموم معلق، لا يمكن أن تقود إلى خروج آمن لبريطانيا من الاتحاد الأوروبي، باتفاق أو من غير اتفاق. مهمة صعبة لحكومة ضعيفة، تواجه رئاستها معارضة شديدة من داخل الحزب ومن البرلمان، الأمر الذي قاد لاستقالة السيدة ماي (٢٣ يونيو ٢٠١٩)، والمجيء بعمدة لندن السابق بوريس نيلسون ليتزعم الحزب ويرأس الحكومة.
لم يكن أمام نيلسون سوى خيارين، إما إجراء استفتاء جديد وهو ما كانت تضغط به المعارضة.. أو إجراء انتخابات عامة مبكرة. وكان أن أجُريت الانتخابات المبكرة يوم الجمعة الماضي، التي فاز بها حزب المحافظين، بأغلبية كاسحة، حيث كانت أهم الرسائل التي بعثها الشعب البريطاني إعادة تأكيد رغبته الخروج من الاتحاد الأوربي... رسالة فهمها بوريس نيلسون، وكان أهم ما جاء في خطابه بعد إعلان فوز حزبه، أن حكومته ماضية في استكمال الخروج من الاتحاد الأوروبي، بحلول ٣١ يناير القادم.
قد تكون انتخابات يوم الجمعة، حسمت قضية الخروج من الاتحاد الأوروبي، إلا أنها أفرزت ميولاً انفصالية، في أقاليم المملكة المتحدة الشمالية (إسكتلندا وإيرلندا الشمالية)، بفوز كبير للأحزاب القومية في تلك المناطق على حساب الحزبين الكبيرين (المحافظين والعمال).. ولم تخف تلك الأحزاب القومية امتعاضها الخروج من الاتحاد الأوروبي، لتكلفة ذلك الباهظة على اقتصادياتها، التي تعتمد بشكل كبير على علاقتها التجارية مع الاتحاد الأوروبي.. كما لم تخف ميولها القومية الانفصالية، كمخرج من أزمتها الاقتصادية، مع احتمال انضمامها للاتحاد الأوروبي، بعد تخلصها من «تبعيتها» للتاج البريطاني.
في كل الأحوال عادت بريطانيا لنظام الحزبين، الذي قد يتطور إلى نظام أكثر «استبداداً» للأغلبية إذا ما استمرت هيمنة حزب المحافظين على الحياة السياسية، لتتحول بريطانيا إلى نظام الحزب الواحد. عندها يحصل الانقلاب «السياسي» الكبير، لتسود حالة من الركود السياسي، ربما تكون عامل عدم استقرار خطير يفوق تجربة الاتجاه نحو نظام تعدد الأحزاب، الأقل استقراراً.
بعودة بريطانيا لنظام الحزبين، من جديد، بنتيجة انتخابات يوم الجمعة الماضي، لا يمكن القول بثقة إن بريطانيا أعادت التوازن والاستقرار لنظامها السياسي. يبقى الانتظار للانتخابات العامة القادمة، وهي فترة كافية لتعيد المعارضة لياقتها السياسية.. وليثبت المحافظون قدرتهم على مواجهة تحديات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.. ومدى فاعليتهم على مواجهة التحديات الاقتصادية القادمة.. وتحديات النزعة الانفصالية، لدى الأسكتلنديين.
خلال الفترة السابقة والنظام السياسي البريطاني كاد يفقد نظام الحزبين، ومعه الاستقرار السياسي التقليدي، الذي عُرف عن الديموقراطية البريطانية العريقة. تاريخياً: كانت بريطانيا تُحكم بنظام حزبي مستقر، عماده حزبان رئيسيان (المحافظين والعمال) يتناوبان الحكم والقيام بدور المعارضة، في فترات إن لم تكن متتالية، إلا أنها كانت منتظمة ومتوقعة، بشكل كبير.
لم يكن سبب عدم الاستقرار السياسي في النظام البريطاني، في الفترة الماضية، الاختلاف في المنطلقات الإيديولوجية للحزبين الرئيسيين الكبيرين.. أو الاختلاف السياسي بينهما حول القضايا ذات الصلة بالأوضاع الداخلية، بقدر ما كان حول قضايا خارجية، لها علاقة بعضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي. حكومة المحافظين التي كان يرأسها ديفيد كاميرون، في فترة حكمها الثانية، رغم أنها كانت تحظى بالأغلبية المطلقة في مجلس العموم، إلا أنها لم تكن تلك الأغلبية، التي تعطي تفويضاً لها للتعامل مع قضية إقليمية ومحلية حساسة، مثل: عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي.
لذا نجد ديفيد كاميرون يغامر بدخول رهان مصيري حاسم، على مستقبله السياسي ومستقبل حزبه، عندما دعا لإجراء استفتاء، من أجل حسم الجدل المتنامي في بريطانيا حول العضوية في البرلمان الأوروبي، وكان هو وحكومته يدعمان البقاء في الاتحاد.. ووعد بالاستقالة من زعامة الحزب ورئاسة الحكومة، إذا جاءت نتيجة الاستفتاء سلبية. أُجري الاستفتاء في ٢٣ يونيو ٢٠١٦ وصوت الشعب البريطاني بـ(لا) لتظهر مشكلة جديدة تدور حول كيفية الخروج وتكلفته.
بخروج ديفيد كاميرون من زعامة الحزب ورئاسة استلمت تيريزا ماي زعامة الحزب، ورئاسة الحكومة، لثلاث سنوات (١٣ يوليو ٢٠١٦ – ٢٣ يوليو ٢٠١٩) لتكمل الحكومة المحافظة فترتها الثانية في الحكم، حتى ٢٠٢١، إلا أن تيريزا ماي قدَّرَت أنه ليس بإمكانها التصدي لمشكلة خروج بريطانيا، وحكومتها تتمتع بأغلبية مطلقة (ضئيلة) في مجلس العموم، لتقرر المغامرة وخوض انتخابات مبكرة، لعلها تعزز موقف حكومتها في البرلمان.. وتؤكد زعامتها للحزب. في ٨ يونيو ٢٠١٧ ذهب البريطانيون لصناديق الاقتراع، ليعلنوا رفضهم لحكومة السيدة ماي التي خسر حزبها هذه المرة أغلبيته في البرلمان، لتعود أجواء عدم الاستقرار، التي سادت فترة حكم المحافظين بزعامة كاميرون الأولى (٢٠١٠)، لتُحْكَم بريطانيا بحكومة ائتلافية ضعيفة، في ظل برلمان معلق، للمرة الثانية، خلال سبع سنوات!
حكومة ائتلافية ضعيفة، في ظل مجلس عموم معلق، لا يمكن أن تقود إلى خروج آمن لبريطانيا من الاتحاد الأوروبي، باتفاق أو من غير اتفاق. مهمة صعبة لحكومة ضعيفة، تواجه رئاستها معارضة شديدة من داخل الحزب ومن البرلمان، الأمر الذي قاد لاستقالة السيدة ماي (٢٣ يونيو ٢٠١٩)، والمجيء بعمدة لندن السابق بوريس نيلسون ليتزعم الحزب ويرأس الحكومة.
لم يكن أمام نيلسون سوى خيارين، إما إجراء استفتاء جديد وهو ما كانت تضغط به المعارضة.. أو إجراء انتخابات عامة مبكرة. وكان أن أجُريت الانتخابات المبكرة يوم الجمعة الماضي، التي فاز بها حزب المحافظين، بأغلبية كاسحة، حيث كانت أهم الرسائل التي بعثها الشعب البريطاني إعادة تأكيد رغبته الخروج من الاتحاد الأوربي... رسالة فهمها بوريس نيلسون، وكان أهم ما جاء في خطابه بعد إعلان فوز حزبه، أن حكومته ماضية في استكمال الخروج من الاتحاد الأوروبي، بحلول ٣١ يناير القادم.
قد تكون انتخابات يوم الجمعة، حسمت قضية الخروج من الاتحاد الأوروبي، إلا أنها أفرزت ميولاً انفصالية، في أقاليم المملكة المتحدة الشمالية (إسكتلندا وإيرلندا الشمالية)، بفوز كبير للأحزاب القومية في تلك المناطق على حساب الحزبين الكبيرين (المحافظين والعمال).. ولم تخف تلك الأحزاب القومية امتعاضها الخروج من الاتحاد الأوروبي، لتكلفة ذلك الباهظة على اقتصادياتها، التي تعتمد بشكل كبير على علاقتها التجارية مع الاتحاد الأوروبي.. كما لم تخف ميولها القومية الانفصالية، كمخرج من أزمتها الاقتصادية، مع احتمال انضمامها للاتحاد الأوروبي، بعد تخلصها من «تبعيتها» للتاج البريطاني.
في كل الأحوال عادت بريطانيا لنظام الحزبين، الذي قد يتطور إلى نظام أكثر «استبداداً» للأغلبية إذا ما استمرت هيمنة حزب المحافظين على الحياة السياسية، لتتحول بريطانيا إلى نظام الحزب الواحد. عندها يحصل الانقلاب «السياسي» الكبير، لتسود حالة من الركود السياسي، ربما تكون عامل عدم استقرار خطير يفوق تجربة الاتجاه نحو نظام تعدد الأحزاب، الأقل استقراراً.
بعودة بريطانيا لنظام الحزبين، من جديد، بنتيجة انتخابات يوم الجمعة الماضي، لا يمكن القول بثقة إن بريطانيا أعادت التوازن والاستقرار لنظامها السياسي. يبقى الانتظار للانتخابات العامة القادمة، وهي فترة كافية لتعيد المعارضة لياقتها السياسية.. وليثبت المحافظون قدرتهم على مواجهة تحديات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.. ومدى فاعليتهم على مواجهة التحديات الاقتصادية القادمة.. وتحديات النزعة الانفصالية، لدى الأسكتلنديين.