زوايا متخصصة

عبدالله بك كاظم.. رجل الاتصالات الأول في السعودية

صورة نادرة لعبدالله بك كاظم بالعباءة البيضاء يتوسط كوكبة من الشخصيات العامة وعددا من موظفي البرق والبريد والهاتف.

بقلم: د. عبدالله المدني استاذ العلاقات الدولية في مملكة البحرين abu_taymour@

حينما يقارن المرء بين الأمس واليوم في منطقة الخليج والجزيرة العربية سيجد بونا شاسعا لا طاقة للمخيلة على تأطير حدوده أو تحديد معالمه. لا نعني هنا ما طرأ من تغيرات على العادات والتقاليد والاهتمامات بين حقبتي ما قبل ظهور النفط وبعده التي لعبت فيها المادة ووفرة الأموال دورا رئيسيا، وإنما نعني تحديدا كيفية تعامل مجتمعاتنا المعزولة عن العالم مع اكتشافات واختراعات العالم المتمدن حينما طرقت بابها، محاولة زلزلة قناعات موغلة في الجمود وأفكار تكلست بالخوف والقلق من كل جديد، خصوصا إذا كان هذا الجديد مصدره «بلاد الكفر» ومخترعه «أناس غير مسلمين».

قبل ذلك دخل الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود في معركة حول إدخال التلغراف وأجهزة اللاسلكي تسهيلا لإصدار الأوامر العاجلة إلى موظفيه وقادته المنتشرين على رقعة جغرافية شاسعة، تماما مثلما خاض ابنه الفيصل في ما بعد معركة مماثلة مع محاربي الحداثة والتمدن حول تعليم البنات، دعك من معركة جلالته الأخرى في ستينات القرن العشرين حول إطلاق البث التلفزيون الرسمي.

تحريك الساكن

في هذا السياق، يحدثنا الأستاذ محمود صباغ في مقال نشره في المجلة العربية (أكتوبر 2019) عن إرهاصات دخول وسائل الاتصالات والتواصل الحديثة إلى المجتمع السعودي، وتحديدا مجتمعات الحجاز منذ زمن الحكم الهاشمي.

وبطبيعة الحال، لم يكن الأمر في الماضي كما هو الحال اليوم. فتقنيات الاتصال في شكلها القديم لم يكن لها تأثيرها المعروف اليوم، لكنها رغم ذلك حركت الساكن في مجتمع رازح تحت قيم موروثة من الصعب زحزحتها قيد أنملة.

يضيف صباغ موضحا ما فعلته السلطات لطمأنة الأهالي وتسكين مخاوفهم فيقول: «اجتمع مجلس الوكلاء في مكة برئاسة نائب الرئيس الشيخ عبدالله سراج، وأصدر قانوني البرقيات والبريد، وقانون موظفي البريد والبرق والتلفون. وقد نصّ الثاني، في مادتين: أنه (على مأمور التلفون أن يجتهد كل الاجتهاد في كتم أسرار المحاورات التلفونية).. وأنه (لا يجوز لمأمور التلفون ولا لغيره استماع محاورات الدوائر الرسمية إلا بطلب من صاحب المحاورة وتكليفه».

ثم يأخذنا صباغ في رحلة ممتعة، متحدثا عن بدايات تأسيس النظام البرقي والبريدي والهاتفي في السعودية، عارجا على الدور الكبير الذي لعبه «عبدالله بك كاظم» في هذا المجال، وهو دور يجهله الكثيرون، دعك من جهلهم بشخصية هذا الرائد الوقور النزيه المجتهد.

البداية في الحجاز

بدأ تأسيس النظام البرقي والبريدي في الحجاز زمن الحكم الهاشمي، وكان ذلك بداية لإخضاع الحجاز للسيطرة العثمانية. وفي عهد الشريف حسين الذي شهد خلافات مع العثمانيين، كثرت الأوهام والشكوك ومظاهر الإهمال والتخلف التي انسحبت على العاملين في مكاتب البرق والبريد والهاتف. وقتها كانت إدارة البريد في مبنى متواضع من 3 طوابق في سوق صغير بجانب باب الوداع، ويضم جميع مكاتب الأقسام، ويعمل به نحو 30 موظفاً بمن فيهم المدير ومساعدوه. وكانت رسائل البريد والأمانات تنطلق إلى خارج مكة على ظهور الهجن رفقة الجمّالة، وتُوزع داخلياً عن طريق شيخ الحارة في أكياس من القلع تحملها ظهور الحمير، لدرجة أن البريد اقترن شعبياً باسم «بوسطة الحمّارة»، فيما كان ساعي البريد يلقب بـ«موزع الحمّارة».

أما أجهزة اللاسلكي التي توفرت آنذاك في بعض المدن الرئيسية، فقد كانت متهالكة، كما أن عدد التليفونات في آخر عهد الشريف حسين لم يتجاوز 50 رقما معظمها مخصص لدوائر الجيش والحكومة. غير أنه في هذه الفترة تحديدا «كان هناك تيّار حديث يتنامى في الداخل، يريد توسيع رقعة الترقي والتمدن والاتصال بالمدنيّات المجاورة، وتحرير الذهنية من قيود الريبة، والعبور بالبلاد إلى روح العصر، حتى أتى العهد الجديد الذي لبّى تطلعات الذهنية المنفتحة الصاعدة».

يواصل صباغ سرد حكاية التحولات الحضارية التي شهدتها الحجاز في ما خص قطاع الاتصالات بعد فتحها على يد الملك عبدالعزيز فيقول: «مع رفع حصار جدة، رفعت اللجنة الأهلية التي انتخبها السلطان عبدالعزيز بجدة، برئاسة الحاج عبدالله علي رضا قرارها بتعيين الشيخ عبدالله بك كاظم مديراً عاماً لدائرة البريد والبرق واللاسلكي في سائر البلاد».

ولد عبدالله بن إسماعيل بن كاظم سنة 1889، لعائلة كاظم المكية من أهل حارة أجياد (ليست لعائلته علاقة بعائلة محمد حسن كاظم الثرية التي عملت بطوافة الحجاج الهنود والبنغاليين). ودرس صاحبنا أولاً عند (الخطاط)، وفي الحرم المكي، ثم في المدرسة الرشيدية. وتمكن من إجادة اللغتين التركية والإنجليزية بطلاقة إلى جانب لغته العربية الأم. ويُعتبر الرجل من العصاميين الذين دخلوا سلك العمل الحكومي وشبوا على حب الوطن والخدمة العامة، إذ تدرج في العمل في إدارة البريد والتلغراف، فبدأ مأمورا لتلغراف منطقة بَحرة بمكة عام 1908 ثم حصل في عام 1910 على ترقية تمثلت في تعيينه مأمورا من الصنف الثاني في دائرة بريد وتلغراف مكة.

الولاء ضد الكفاءة

وحينما قامت الثورة العربية الكبرى بقيادة الشريف حسين، وكان الولاء مقدما على الكفاءة في التعيينات بسبب الريبة السائدة آنذاك تم منح منصب مدير عام البرق والبريد لـ«عبدالقادر أفندي يوسف غزاوي»، الذي كان يعمل في مرتبة أقل منه، والسبب أن الغزاوي (ابن المطوف الميسور) كان مقربا من بلاط الهاشميين إلى درجة أنه إضافة إلى منصبه كمدير عام للبرق والبريد، عيّن نائبا لرئيس مجلس الشيوخ. غير أن الغزاوي اضطر إلى مغادرة الحجاز مع بداية العهد السعودي إلى حين استتباب الأوضاع السياسية، فكان ذلك إيذانا بإعادة الاعتبار لكاظم.

بدأ كاظم عمله في ظل الدولة السعودية بقرارات شعبية. ففي مارس 1926 قام بتخفيض أجور الخدمات، وتوفير أخرى كانت ممنوعة في عهد الشريف حسين. واشتمل ذلك على تخفيض أجور البرقيات اللاسلكية من 5 قروش على كل كلمة إلى 3 قروش، وتخفيض أجور إرسال الرسائل لعموم المدن الداخلية إلى نصف قرش أميري، وللخارج 1.5 قرش أميري. كما قام بإلغاء طوابع السندات التي تلصق على كواشين البرق والبريد، وسمح بتركيب الهواتف للعموم في منازلهم وفي متاجرهم.

الصناديق أمام المنازل

ومن أعمال كاظم الأخرى أنه أطلق في أغسطس 1926 لأول مرة مشروع تركيب صناديق البريد أمام المنازل، على النحو المعمول به في سائر الدول، وذلك بهدف حفظ المراسلات، وسرعة تسليمها إلى أصحابها. ثم قام بتنزيل أجرة صناديق البريد بمكة إلى نصف جنيه في أكتوبر 1926. وفي حج سنة 1927 قام بتوفير صناديق بريد في طرقات مكة كي يسهل على الحجاج إرسال خطاباتهم إلى ذويهم. وشرع في السنة ذاتها في قبول الحوالات والطرود العادية في مديرية البرق والبريد بمكة.

في مجال الاتصالات اللاسلكية أعاد الرجل ترميم ما خربته النزاعات السياسية، فأقام آلة جديدة للبرق اللاسلكي في الطائف في سبتمبر 1926، ووضع آلة تلفونية لا سلكية خفيفة في مكة يمكنها تناول الأخبار من جميع الجهات، ثم راح يزرع أجهزة مماثلة في مراكز ومدن أخرى مثل جازان والليث وينبع.

كل هذه الأعمال، التي كشفت عن امتلاك كاظم لمواهب إدارية ورؤى حداثية وتفاعل مع المستجدات المجتمعية بشجاعة وإقدام، ترسخت أكثر فأكثر من خلال التجاوب مع احتياجات توسع الجهاز البيروقراطي الحكومي في المملكة والاحتياجات المتزايدة لعموم المواطنين للهواتف. حيث وضع «سنترال» جديد بسعة مائة رقم في مبنى وزارة المالية لخدمة الجهاز الحكومي المتعاظم، مع استمراره في إضافة السنترالات اليدوية لخدمة الجمهور حتى وصلت إلى 500 رقم.

وطبقا لصباغ، فإن كاظم لم يكن من المسؤولين الذين يزاولون مسؤولياتهم من مكاتبهم، وإنما كان من أولئك الذين ينزلون شخصيا إلى مواقع العمل. وآية ذلك أنه كان يشارك بنفسه في تركيب ونصب الأجهزة برفقة معاونيه، على نحو ما حدث في واقعة إصلاح جهاز اللاسلكي القديم المتهالك الذي كان موجودا في المدينة المنورة منذ زمن الأتراك.

المدرسة الأولى

بعد ذلك فطن كاظم إلى ضرورة تجهيز كوادر محلية للعمل في مجال الاتصالات، فأسس في جدة أول مدرسة في البلاد لتعليم أشغال اللاسلكي، وتمّ تسجيل أكثر من مائة متقدم، اختير منهم 48 طالبا تمّ ابتعاثهم برفقة أستاذهم الأيرلندي بوزكال إلى بريطانيا في نوفمبر 1930 للتدريب في شركة ماركوني بمقرها في تشيلمفورد، علما بأن أول بعثة تعليمية رسمية في تاريخ البلاد السعودية خرجت من مديرية البرق والبريد بترتيب مباشر من كاظم. كان ذلك في نوفمبر 1927، وكانت وجهتها فلسطين، وكان هدفها تدريب المبعوثين على سير معاملات البرق والبريد والتلفون ودرس القيود المتعلقة بها وفق النمط الإداري الإنجليزي. وفي عام 1947 أرسلت بعثة فنية لتعلم هندسة التلفونات الأتوماتيكية، ثم أرسلتْ أول بعثة لأمريكا لتعلم فن التلفون في يوليو 1952.

اتصال نجد ـ الحجاز 1933

أول مركز للهاتف بالرياض افتتح في فبراير 1933 وأول مكالمة هاتفية بين نجد والحجاز هي تلك التي دامت 20 دقيقة بين الأمير فيصل بن عبدالعزيز في مكة وأخيه الأمير سعود بن عبدالعزيز في الرياض في مايو 1933. وقد سهل هذا المركز، إضافة إلى مركز البرقيات، نقل الأخبار من الرياض إلى مكة لنشرها في صحيفة «أم القرى».

وصف الصباغ كاظم بـ«بطل التحول الأتوماتيكي» في إشارة إلى دوره المحوري لجهة قيام الحكومة بجلب 50 آلة من آلات الهاتف الأتوماتيكي من شركة سيمنس الألمانية في أكتوبر 1930 لاستخدامها في قصري الملك ونائبه، وفي السنة التالية أهدت الحكومة السوفياتية للمملكة 25 آلة أخرى مماثلة مع ماكنة سنترال، فقرر كاظم انتداب فريق من موظفي الهاتف للتدريب على يد المهندس الروسي شنيف لمدة شهرين. أما في عام 1938 فقد قرر صاحبنا تطوير شبكة الهاتف العمومية عبر البدء بعملية التحول للسنترال الأتوماتيكي، وتجلى ذلك في قيامه خلال عام 1938 باستيراد سنترالين كبيرين من شركة سيمنس من الطراز الحديث لتسهيل المخابرات التلفونية وانتظامها، ثم جلبت في 1939 آلات هاتفية متطورة من الولايات المتحدة.

الدقة والكفاءة

يقول صباغ (بتصرف): «مع انخماد نيران الحرب العالمية الثانية، وانتعاش الاقتصاد السعودي من جديد في الخمسينات صار بالإمكان تأمين 8 مكالمات تليفونية في آن واحد بين مكة وجدة على الخطوط المستحدثة مقابل مكالمتين في السابق، وهي زيادة محسوسة للجماهير. وعمّم كاظم ازدواج الخطوط التلفونية بين بقية المدن. وانفتح على حركة الاستيراد النشطة، فصار يجلب النحاس والعوازل والأسلاك من موانئ السويد وبريطانيا وأمريكا. واستمر ازدياد أعمال تركيب التلفونات، خصوصاً في مكة وجدة، لكن كاظم، لهوسه بالإتقان، كان يشعر أن إيقاع التحول لا يزال بطيئاً».

ويخبرنا صباغ أن إدارة كاظم اقترنت بدقة التنظيم المالي، وكفاءة الإنفاق، وتعظيم المكاسب بأقل الموارد، فكانت الإدارة الحكومية الوحيدة الملتزمة بالاقتصاد في النفقات وحصر الصرف في الضروريات.

نسف السائد

اهتم كاظم كثيرا بالبريد، فنسف كل مظاهره الثابتة المتوارثة منذ القدم، وأحدث فيه انقلابا يتناسب مع نمط الدولة الحديثة. حيث تقرر في إبريل 1929 نقل البريد لأول مرة بين مدن مكة وجدة والمدينة المنورة بواسطة السيارات بدلا من الهجن، الأمر الذي اختصر الزمن بصورة قياسية. وفي أكتوبر 1934 انطلق أول بريد بالسيارات بين مكة والرياض والأحساء ليستمر العمل بذلك مرة كل 15 يوما. وفي العام نفسه تم للمرة الأولى تدشين أول خط بريدي بالسيارات من مكة إلى القصيم فحائل فالجوف، وفي مارس 1941 تم ربط مكة بأبها بخط بريدي آخر عبر بيشة مرتين في الشهر. كما عمل كاظم ابتداء من أكتوبر 1949 على إطلاق خطين بريديين آخرين بالسيارات نحو شمال البلاد وجنوبها ينطلقان مرة واحدة كل أسبوع من مكة.

ثم شهد البريد السعودي نقلة كبرى تحت إدارة كاظم، وذلك حينما انطلقت خطوط الطيران. ففي فبراير 1937 تمّ إرسال أول بريد جوي من جدة إلى المدينة، لتنتظم العملية بعد ذلك من خلال شركة الملاحة الجوية المصرية بموجب ترخيص من الحكومة السعودية. ومنذ سبتمبر 1947 صارت طائرات الخطوط السعودية هي التي تنقل البريد بين جدة والطائف والرياض والظهران ومصر.

ومن مآثر كاظم الأخرى أنه وضع بلاده على الخارطة في ما خصّ الاتفاقات الدولية (مثل اتفاقية البريد الدولية الموقعة في لندن) ونيل عضوية الاتحادات العالمية (مثل اتحاد البريد العالمي في بيرن)، ناهيك عن إبرام اتفاقيات بريدية ثنائية مع الهند ومصر وفلسطين. إلى ذلك يُحسب للرجل براعته وحذاقته التفاوضية، حينما أوفده مليكه مع الشيخ سليمان قابل إلى السودان عام 1926 للتفاوض مع شركة إيسترن حول مد كيبل بحري بين ميناءي جدة وبورتسودان، ثم قدراته المذهلة في إقناع مسؤولي تلك الشركة لاحقا باستبدال ما تمّ الاتفاق عليه باتفاقية جديدة كليا تم توقيعها سنة 1935.

الشيخوخة أحالته للتقاعد

حينما تولى الأمير طلال بن عبدالعزيز حقيبة المواصلات في الخمسينات رأى في شيخوخة كاظم عبئاً على التطلعات الجديدة، فأحاله للتقاعد في يناير 1954 مع بيان يشيد بإخلاصه ونزاهته وحنكته وعلمه. وهكذا ودع الرجل العمل الحكومي بعد خدمة تجاوزت 44 عاما. وفي خريف 1967، توفي في الطائف عن 80 عاما، مخلفا وراءه سيرة عطرة من جليل الأعمال لصالح بلاده، وسيرة شخصية تميزت بعفة اليد واللسان والزهد، وأربعة أبناء (إسماعيل وشرف ومحمد وخيرية).

استشرف المستقبل.. فطن قبل غيره

من الأمور التي تداولها الناس عنه أنه استشرف المستقبل مبكرا، بمعنى أنه فطن قبل غيره بضرورة توسيع رقعة الاتصالات الجغرافية في السعودية، لكنه اصطدم بموضوع أجهزة سبارك Spark الألمانية التي كانت مستخدمة آنذاك، وكانت وقتها متواضعة وذات صوت ضعيف ويتأثر عملها سلبا بالرعد والبرق والأمطار. ولتجاوز هذه العقبة لجأ كاظم إلى الملك عبدالعزيز واستثمر علاقته الجيدة بجلالته في استبدال أجهزة سبارك بأجهزة ماركوني الأكثر تطورا، فاستجاب الملك لاقتراحه، خصوصا أن جلالته بعد أن وحد أطراف الجزيرة العربية، بقيت المسافة عقبة في طريق مشروعه لبناء كيان موحد مترابط جغرافيا وسكانيا. وهكذا حسم الملك الأمر في الثلاثينات حينما أصدر أوامره بربط أجزاء مملكته الفتية بشبكة تلغراف متطورة، حيث منحت الحكومة السعودية مقاولة جلب أجهزة ماركوني البريطانية الحديثة ذات الموجات القصيرة إلى الشركة الشرقية لصاحبها عبدالله فلبي، وتمّ توقيع العقد معها في أكتوبر 1930 بقيمة 36900 جنيه إسترليني. وفي أبريل 1931 وصلت أول دفعة من أجهزة ماركوني إلى ميناء جدة برفقة أربع سيارات لاسلكي، حيث اختيرت أرض فضاء خلف قصر السقاف الملكي بمكة لإجراء التجارب بقيادة فريق يقوده موظف اللاسلكي المخضرم كاظم بك فخري أفندي، فراح الفريق على مدى 15 يوما يتصل بالمدينة وجدة ورابغ وضبا والوجه والعـُلا، فتبين له أن الأجهزة المستقدمة تعمل بوضوح تام. وأثناء القيام بهذه التجارب حضر الملك عبدالعزيز للوقوف شخصيا على العمل ومباركة تدشين الأجهزة، حيث تلقى الملك على سبيل التجربة برقية من أمير ضبا كان نصها «كل عام وأنتم بخير يا طويل العمر». أما يوم 20 أغسطس 1931 فقد شهد تبادل أول برقية لاسلكية في التاريخ بين نجد والحجاز وكانت عبارة عن برقية أرسلها الأمير فيصل من الطائف إلى والده الملك في الرياض.

ورويدا رويدا عمت الاتصالات البرقية مدن بريدة وحائل وتبوك والقريات منذ سبتمبر 1931، ثم القطيف والجبيل والعقير منذ يوليو 1932، وحصلت الأحساء على جهاز ماركوني ثابت في الفترة ذاتها. وبحلول فبراير 1933 كان هناك 28 مركزا لاسلكيا تجري من خلالها الاتصالات لكافة الأنحاء.