كتاب ومقالات

ابتهالات البيئة ودعاء الثقافة

عبداللطيف الضويحي

رغم التباعد الإداري والتنظيمي الكبير بين الثقافة والبيئة في المملكة وفي دول شتى، ورغم التفاوت والاختلاف بين منطلقات وإستراتيجيات البيئة والثقافة، إلا أن شبها كبيرا بين البيئة والثقافة لا يمكن تجاوزه أو تجاهله. فهل يمكن استثمار أوجه الشبه بين البيئة والثقافة وتوظيفها في التعامل مع التحديات التي تواجه البيئة والثقافة.

من أبرز التحديات التي واجهتها ولا تزال تواجهها الثقافة هو التباس مفهوم الثقافة نفسه في الوعي واللاوعي العربي. فمطاطية مصطلح الثقافة يتسع ويضيق تبعا للمناسبة وتبعا لحجم الوعي وحجم التعامل به. الثقافة تمتد وتتمدد من التغريدة والقصيدة والشعر والقصة والمقال والجريدة إلى الملبس والمأكل والمشرب والفيلم والموسيقى والفلكلور وحتى طريقة تفكير الشعوب، الأمر الذي يدخل الوزارة المختصة في دوامة تشكيل لجان تستحضر الأدوار الثقافية الواقعة خارج نطاق الوزارة المختصة، في المقابل قد يضيق وينحسر مفهوم الثقافة فيستبعد كل ما هو خارج لاهتمام وفعل النخب المثقفة.

ما ينطبق على الثقافة ينطبق على البيئة كذلك وإن كانت البيئة ركيزة واحدة من بين ثلاث ركائز في وزارة البيئة والمياه والزراعة. البيئة ضحية هي الأخرى للمفهوم وأسيرة للمصطلح في ثقافتنا العربية.

يضيق وينحسر مفهوم البيئة ليصبح محصورا في النفايات أو الهدر أو الصرف الصحي، ويتسع ويتمدد مفهوم البيئة ليشمل التلوث وتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر وحماية الحياة الفطرية والتنوع الأحيائي والتغير المناخي والأرصاد والبيئة البحرية والموارد المائية وجودة الهواء وغيره الكثير.

لم تنجح البيئة في المملكة كما لم تنجح الثقافة بابتكار مفهوم يرسم الثقافة أو البيئة التي نتحدث عنهما ونعمل على تحويلهما من دائرة المخاطر إلى آفاق المكاسب المادية والمعنوية.

رغم التخطيط ورسم الإستراتيجيات والعمل الدؤوب الذي عملت عليه كل من وزارة الثقافة ووزارة البيئة والمياه والزراعة، يلاحظ على أداء الوزارتين في العمل الثقافي والعمل البيئي أنه كبير وواسع ويتجاوز الإمكانات البشرية على وجه التحديد. وهو الأمر الذي يحتم على الوزارتين ترتيب أولويات الثقافة والبيئة في ظل تحدي الموارد.

تأخرنا كثيرا كأفراد ومؤسسات في التعامل مع الثقافة والبيئة حتى تراكم الكثير من الأتربة والصخور والعوازل الطبيعية بين الإنسان وكل من البيئة والثقافة. لقد أصبحنا غرباء عن بيئتنا وعن ثقافتنا، خلال عقود حتى تفاقمت مشكلاتنا البيئية والثقافية وجافيناها تماما، والآن نبدأ من الصفر وربما من تحت الصفر ننقب عن ثقافتنا ونبحث عن بيئتنا ولذلك يعد تحدي الثقافة والبيئة من أصعب التحديات التي تواجهها كافة قطاعات التنمية والتي يعمل على بلورتها وتفعيلها أناس يسابقون الزمن في استعادة ما مضى وما سيأتي في ظل الرؤية 2030.