كتاب ومقالات

«التشهير» هواية نسائية أم مطلب نسوي ؟!

هاني الظاهري

في نقاش مع بعض الزملاء حول الأصوات النسوية التي تتعالى في شبكات التواصل مطالبة بالتشهير بكل شيء وأي شيء، أشرت من باب المداعبة إلى أن «التشهير» كسلوك بشري هو هواية نسائية خالصة، ويندر أن يخلو مجلس نسائي من التشهير بالأزواج والدعاء عليهم، وأمهات الأزواج وزوجات الأبناء وتصويرهن كمصانع للمشاكل والشرور وغير هذا مما يعرفه الجميع، ولذلك فليس من المستغرب أن يطالب جموع النسويات بإيقاع عقوبة التشهير على بائع الحقائب الذي لم يقبل بإرجاع مشترياتهن بعد أن استهلكنها لمدة عام كامل، أو التشهير بـ«الكوافيرة» التي لم تضبط لون صبغة الشعر لإحداهن بالدرجة الموجودة في خيالها، أو التشهير بالعاملة المنزلية الهاربة وعلى هذا فـ«قس».

والواقع أنه لا يوجد تيار نسوي حقوقي بالمعنى الحقيقي في العالم العربي، بل توجد شخصيات محدودة العدد ومعروفة للجميع، وما عداها مجرد مجاميع من المراهقات الباحثات عن إثبات الذات بجانب نساء غاضبات من رجال العائلة والثقافة المجتمعية والجغرافيا والتاريخ والميثولوجيا وأشياء كثيرة يصعب حصرها.

الزميل كاتب «عكاظ» الأستاذ خالد السليمان كتب مقالة أمس الأول بعنوان (هل نشهّر بـ«عيالنا» وبناتنا؟) رد فيها على مطالبات التشهير بالمراهقين الذين يرتكبون المخالفات باعتبار أن هؤلاء المخالفين «عيالنا» في نهاية المطاف، ومخالفاتهم نتاج مرحلة عمرية تفتقد إلى النضج، ولذلك يمكن معاقبتهم بالعقوبات المنصوص عليها، أما «التشهير» فعقوبة مرفوضة لأنها تترك وصمة عار تلازم الإنسان طوال حياته، وهذا طرح رائع ويتناول مسألة التشهير من زاوية مهمة، لكن ماذا عن المخالفين من الراشدين هل ينبغي التشهير بهم لأنهم تجاوزوا مرحلة المراهقة؟

الإجابة برأيي هي أن «التشهير» عقوبة بدائية متعدية لا تمس المخالف وحده بل تنعكس على أسرته كاملة، ولا ينبغي تطبيقها إلا في أضيق الحدود وفيما يخص القضايا التي تمس أمن الدولة، أما ما عدا ذلك فلكل جريمة عقابها المنصوص عليه نظاماً، ومن حق المخالف الذي قضى عقوبته أن يعود للمجتمع كأي مواطن دون وصمة عار يحملها معه لبقية عمره، وربما تحدد هذه الوصمة مسار حياته وتحوله إلى مجرم دائم فلم يعد لديه شيء يخشى خسارته.

إن سبب استقامة المخالفين وعودتهم كأعضاء صالحين في المجتمع بعد العقوبة سواء كانت سجناً أوغيره، هو «الأمل» بالنجاح وبناء حياة جيدة، أما «التشهير» فهو بمثابة طعن لكرامة المخالف كإنسان وإغلاق باب العودة في وجه، وإجباره على التحول إلى مجرم عتيد ناقم على المجتمع والدولة، كما أن ليس كل تشهير عقوبة، فبعض المجرمين يبحثون عن «الشهرة» في مجالهم مثل المزورين الذين يكسبون عملاء جدد عند التشهير بهم، فهذا بالنسبة لهم إعلان مجاني.

أخيراً لا يوجد في العالم الذي نعيشه مجتمع أفلاطوني خال من المخالفات والمخالفين، والخطيئة ملازمة لوجود الإنسان في هذا الكوكب، وتنحصر مهمة السلطة في العمل على إصلاح المخطئ لا دفعه للتحول إلى مخطئ تسلسلي، وهذا ما لا تفهمه مجالس النساء التي انتقلت كما هي لفضاء الإنترنت.

* كاتب سعودي

Hani_DH@