كتاب ومقالات

كيف ستبدو مشيخة الدين مستقبلا ؟

بشرى فيصل السباعي

هناك أمور في ظاهرها المسبق قد تبدو سلبية لكن في الواقع قد يتضح أنها أفضل ما كان يمكن أن يحدث، وهذه حقيقة من المهم استحضارها عند الحديث عن مستقبل وظيفة المشيخة الدينية، أي الأشخاص المتخصصين بالفتوى الدينية، وبخاصة على خلفية ضعف مخرجات الكليات الدينية بالعالم الإسلامي الذي انعكس سلبا على مستوى الخطاب الديني وبالتالي الواقع العام للإسلام والمسلمين، وسبب أساسي لضعف المستوى هو كون الكليات الدينية تقبل أخفض معدلات القبول التي لا تقبلها أي كليات أخرى، ومعروف أن انخفاض معدلات التحصيل الأكاديمي مرتبط بانخفاض الذكاء والوعي المتقدم، بينما يذهب أكثر الطلاب ذكاء ووعيا وامتيازا لكليات العلوم التجريبية والتطبيقية، وهذا بزمن تشعبت فيه التخصصات العلمية حتى بات لا يوجد مجال علمي واحد يمكن للعالم المتخصص بالعلوم التجريبية أو التطبيقية الإحاطة بكل شعبه ومتابعة مستجداته وبالكاد يستطيع مواكبة تطورات تخصصه الدقيق، فكيف يمكن توقع أن يتمكن خريج الكليات الدينية من الاجتهاد بفتوى مناسبة للعصر وتعقيداته غير المسبوقة وذلك بجميع مجالات العلوم والحياة؟ وهذا سبب أساسي مثلا لمعضلات المصرفية الإسلامية حيث الأدوات والمعاملات الاقتصادية والبنكية أكثر تعقيدا من أن يمكن لغير المتخصص الحكم عليها بشكل صحيح والنتيجة انخفاض مصداقية ونزاهة وكفاءة المصرفية الإسلامية، أما أهم وأخطر مجال يبدو جليا عدم مناسبة أن يكون المسؤول عن الفتوى فيه خريجو الكليات الدينية فهو مجال الطب، فمثلا؛ لا يزال خريجو الكليات الدينية الرجال يتولون إفتاء النساء بالقضايا البيولوجية الخاصة بالنساء بافتراضات ظنية ترجع إلى ما قبل عصر الطب الحديث، بينما الأنسب أن تكون الفتوى بهذه القضايا مقتصرة على الطبيبات، وذلك بأن يتم تضمين كليات الطب مادة عن الأحكام الفقهية الخاصة بالنساء كما هو حاصل من تضمين كليات القانون والاقتصاد منهاجا عن أحكام الشريعة بتلك المجالات، وكذلك بكل المجالات بحيث يصبح المفتي بكل مجال هو المتخصص بكل فرع من فروع العلوم كقصر تحري الأهلة على علماء الفلك، وقصر الإصلاح الزوجي وذات البين على الأطباء النفسيين، والوعظ يكون بالمفكرين الحكماء وليس القصاصين، ودمج كليات الشريعة مع القانون، وبالطبع ستبقى وظيفة إمام المسجد بينما قد تلغى وظيفة المؤذن ويحل مكانه أذان مسجل، وستترسخ مرجعية المجامع الفقهية، وهذا سيتفرد به الإسلام لأنه الدين الوحيد الذي لا رهبانية فيه تتطلب حصر العلم الديني بفئة محددة، بينما حتى باليهودية يعتزل الأحبار العلوم والعمل، ولذا هناك حنق ضدهم بالمجتمع الإسرائيلي لأنهم يعيشون على نفقة الدولة.

* كاتبة سعودية

bushra.sbe@gmail.com