الناس

إليك يا من كان فعلي خاذلاً له

ثم يا صديقي

هشام أنس

هشام أنس

إليك يا رفيق الدرب الذي خذلته بسوء صنعي؛

سلام الله على عينيك، وبهجة تسكنُ روحك.

أما قبل؛ فما أنا إلا إنسان أصيب مرة وأخطأ مرتين، ولست كامل الفضائل، ولكن أسعى لتأصيلها في نفسي حتى أهذّبها وأسمو بها. «وكل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون».

ثم أما بعد؛ فهذه هي رسالتي لك بعد انقطاع دام أحد عشر شهرا ونيفا، وما دفعني لكتابتها إلا غلبة الحب لك في قلبي التي أوجبت الاعتذار، وأعطتك كل الحق والقرار، مستفتحا إياها ببيت ابن زيدون القائل:

«لعمري لئن قلت إليك رسائلي

لأنت الذي نفسي عليه تذوبُ»

عرفتك سعادة على هيئة نعمة، والسعادة خير رزق لابن آدم ولا خلاف في ذلك، وضياعُ الود بيننا نقمة.

أنا لا أعتذر لك غشا فأزيدك هما على هم، وليس استخفافا بالخطأ الذي قطع عني وصلك ورسائلك التي لطالما كانت بلسما للقلب، وقوةً في الضعف؛ وسلاما في كل حين.

عهدتك لين القلب، نقي السريرة، صادق الوعد. ولأن القسوة لم تكن يوما إلا من لئام الطباع، فلا أظن بك ذلك، فأصلك الكريم لا يدفعك بالمعاقبة على الذنوب، وترك فضل الصفح عما مضى، وجعل الذي كان بيننا يموت. إرادتي الاختيارية كإنسان دفعتني لسوء الفعل، وإرادة الفطرة الإلهية تأمرني بالاعتذار عن سوء ما اقترفت. وإني والله أعلم أنك المضرور من سوء صنعي، وحجم وقع الخيبة على قلبك، فلا تظن أنني بذلك مسرور.

هذه يميني مُدت لرتق فتق قطيعةِ الود، ولإيقاف عدة الهجر، مستغفرا عما مضى من ذنب. ملكت الحق فاصفح، ولك القدرة فاعفُ، وخذ مني ظاهر الأمر ندما، والله يعلم أن باطنه في جوفي وجع وكمد، واقبل العذر مني وأنا الشاكر، وإن أبيت سأكون الصابر الذي يدور حول حماك باغيا الصفح والعفو.