التوترات الجيوسياسية... وأسعار النفط العالمية
الثلاثاء / 12 / جمادى الأولى / 1441 هـ الثلاثاء 07 يناير 2020 01:55
محمد سالم سرور الصبان
الارتفاعات التي لحقت بأسعار النفط منذ تصفية قائد الحرس الثوري الإيراني لم تكن مستغربة، وعكست تخوف المتعاملين مع أسواق النفط العالمية من ردات الفعل المتتابعة والمتوقعة وما يمكن أن يؤدي ذلك إليه من انقطاع في الإمدادات العالمية للنفط.
ذلك أن منطقة الخليج العربي هي من أهم مناطق إنتاج وتصدير سلعة النفط، وتحتوي على حوالى 20% من الإنتاج العالمي، تضم على رأسها المملكة، وهي التي تمثل البنك المركزي للنفط في العالم، والتي إذا عطس إنتاجها النفطي لسبب أو لآخر نجد العالم يصاب بالزكام.
ولقد عودت المملكة الأسواق العالمية للنفط بأنها مصدرا موثوقا وآمنا ويمكن الاعتماد عليه، وفي أحلك الأزمات كانت السعودية تتحمل مسؤوليتها بالكامل، وتغطي أي نقص في الإمدادات - في ظل إبقائها على طاقة إنتاجية فائضة لا تقل عن مليوني برميل يومياً - حتى وإن اضطرت إلى إجراء زيادات إضافية سريعة في طاقتها الإنتاجية، كما حدث في أوائل الثمانينات من القرن الماضي، حينما غاب معظم الإنتاج الإيراني والعراقي عن الأسواق نتيجة للحرب التي دارت بينهما، وغيرها من الأحداث التي شهدت سوق النفط فيها نقصاً في الإمدادات.
وكان البعض يعيب علينا هذه السرعة في الاستجابة لسد هذا النقص أو ذاك، وعدم استفادتنا من ارتفاعات متوقعة في أسعار النفط لو تباطأنا في ضخ مزيد من النفط، وهي نظرة سطحية تضحي بمكانة وثقة المتعاملين بنفط المملكة على حساب مكاسب قصيرة الأمد.
ورأينا كيف استطاعت المملكة استعادة كامل طاقتها الإنتاجية بعد حادث الاعتداء الإيراني على منشآت أرامكو النفطية في كل من بقيق وخريص، خلال فترة أسبوعين من الحادث الكبير الذي أفقدنا أكثر من 5.7 مليون برميل يومياً من طاقتنا الإنتاجية، وفي وقت كان مختلف المختصين يستبعد عودة إنتاجنا بالكامل قبل مرور شهور عديدة.
إذاً فتخوفات الأسواق العالمية ليست مستغربة وهي ترى التهديدات الإيرانية بالانتقام، وتعرف مدى رعونة تصرفاتها، دون التفكير بأنها لا تواجه الولايات المتحدة فحسب، بل العالم أجمع. تهديد إيران لا يشمل فقط مضيق هرمز بل وحتى البحر الأحمر عن طريق وكلائها في تلك المنطقة، وأيضاً المنشآت النفطية في مختلف الدول المنتجة، خاصة في ظل تدهور صادراتها النفطية إلى أقل من 250 ألف برميل يومياً.
تعاملت الأسواق العالمية بجدية مع خطوة تصفية قادة إيران، بعد أن أعطت الولايات المتحدة انطباعاً أنها لن تحرك ساكناً في وجه الاعتداءات الإيرانية هنا أو هناك من احتجاز للناقلات النفطية، لإسقاط طائرة أمريكية مسيرة، إلى ضرب منشآت نفطية، وغيرها.
وإلى أن تنجلي طبيعة ردود الفعل المتتابعة القادمة، فإن المنطقة ستكون على صفيح ساخن، وأسعار النفط ستتسارع في الارتفاع مع التطورات الجديدة لردات الفعل، ولن يجدي معها عدم وجود نقص حقيقي في أسواق النفط، بل ستتغلب نظرات التشاؤم وانعكاساتها على الأسواق على هيئة أسعار أعلى إلى حين هدوء مختلف الجبهات.
وفي الختام، ففي الوقت الذي نأمل فيه جميعاً عدم التصعيد، إلا أن «استمراء» إيران في تجاوزاتها، له أخطار أكبر في الأمدين المتوسط والطويل على الإمدادات النفطية، وقد يكون الحسم هو الخيار الذي ليس منه بُد.
* كاتب سعودي
sabbanms@
ذلك أن منطقة الخليج العربي هي من أهم مناطق إنتاج وتصدير سلعة النفط، وتحتوي على حوالى 20% من الإنتاج العالمي، تضم على رأسها المملكة، وهي التي تمثل البنك المركزي للنفط في العالم، والتي إذا عطس إنتاجها النفطي لسبب أو لآخر نجد العالم يصاب بالزكام.
ولقد عودت المملكة الأسواق العالمية للنفط بأنها مصدرا موثوقا وآمنا ويمكن الاعتماد عليه، وفي أحلك الأزمات كانت السعودية تتحمل مسؤوليتها بالكامل، وتغطي أي نقص في الإمدادات - في ظل إبقائها على طاقة إنتاجية فائضة لا تقل عن مليوني برميل يومياً - حتى وإن اضطرت إلى إجراء زيادات إضافية سريعة في طاقتها الإنتاجية، كما حدث في أوائل الثمانينات من القرن الماضي، حينما غاب معظم الإنتاج الإيراني والعراقي عن الأسواق نتيجة للحرب التي دارت بينهما، وغيرها من الأحداث التي شهدت سوق النفط فيها نقصاً في الإمدادات.
وكان البعض يعيب علينا هذه السرعة في الاستجابة لسد هذا النقص أو ذاك، وعدم استفادتنا من ارتفاعات متوقعة في أسعار النفط لو تباطأنا في ضخ مزيد من النفط، وهي نظرة سطحية تضحي بمكانة وثقة المتعاملين بنفط المملكة على حساب مكاسب قصيرة الأمد.
ورأينا كيف استطاعت المملكة استعادة كامل طاقتها الإنتاجية بعد حادث الاعتداء الإيراني على منشآت أرامكو النفطية في كل من بقيق وخريص، خلال فترة أسبوعين من الحادث الكبير الذي أفقدنا أكثر من 5.7 مليون برميل يومياً من طاقتنا الإنتاجية، وفي وقت كان مختلف المختصين يستبعد عودة إنتاجنا بالكامل قبل مرور شهور عديدة.
إذاً فتخوفات الأسواق العالمية ليست مستغربة وهي ترى التهديدات الإيرانية بالانتقام، وتعرف مدى رعونة تصرفاتها، دون التفكير بأنها لا تواجه الولايات المتحدة فحسب، بل العالم أجمع. تهديد إيران لا يشمل فقط مضيق هرمز بل وحتى البحر الأحمر عن طريق وكلائها في تلك المنطقة، وأيضاً المنشآت النفطية في مختلف الدول المنتجة، خاصة في ظل تدهور صادراتها النفطية إلى أقل من 250 ألف برميل يومياً.
تعاملت الأسواق العالمية بجدية مع خطوة تصفية قادة إيران، بعد أن أعطت الولايات المتحدة انطباعاً أنها لن تحرك ساكناً في وجه الاعتداءات الإيرانية هنا أو هناك من احتجاز للناقلات النفطية، لإسقاط طائرة أمريكية مسيرة، إلى ضرب منشآت نفطية، وغيرها.
وإلى أن تنجلي طبيعة ردود الفعل المتتابعة القادمة، فإن المنطقة ستكون على صفيح ساخن، وأسعار النفط ستتسارع في الارتفاع مع التطورات الجديدة لردات الفعل، ولن يجدي معها عدم وجود نقص حقيقي في أسواق النفط، بل ستتغلب نظرات التشاؤم وانعكاساتها على الأسواق على هيئة أسعار أعلى إلى حين هدوء مختلف الجبهات.
وفي الختام، ففي الوقت الذي نأمل فيه جميعاً عدم التصعيد، إلا أن «استمراء» إيران في تجاوزاتها، له أخطار أكبر في الأمدين المتوسط والطويل على الإمدادات النفطية، وقد يكون الحسم هو الخيار الذي ليس منه بُد.
* كاتب سعودي
sabbanms@