القلق الزمكاني وفلسفة النقطة في «درج» علوان
السبت / 16 / جمادى الأولى / 1441 هـ السبت 11 يناير 2020 04:11
قراءة: أحمد بوقري
لا أعلم لماذا استدعت قصة «درج» للكاتب المبدع الرائد في ذاكرتي محمد علي علوان المنشورة في ملحق عكاظ الثقافي السبت الماضي، قصة «النقطة» ليوسف إدريس ضمن مجموعة «الندّاهة» هكذا دفعةً واحدة.
رغم بدو الفارق الزمني الكتابي والأسلوبي والإشاري والدلالي بعيدا كل البعد في الحالة البوحية السردية، لكننا سنرى أن هناك عاملاً مشتركاً يجمعهما في عددٍ من الخصائص الفنية والرؤيوية.
إنه قانون الصعود والهبوط (الانتقال الزمني والنفسي) عند علوان، كما هو ذاته متجلياً في قانون الانتقال الأفقي والرأسي عند إدريس.
في قصة علوان «درج» تصبح النقطة حالة عمرية متراوحة صعوداً وهبوطاً، متأخرة في آن..ومتقدمة في آنٍ آخر، ويصبح الصعود لا عمق له ومتعباً ومقلقاً، كما هو في حالة النزول إذ العمق المريح عند آخر درجة هو النقطة المبتغاة والمريحة التي تستغني عن كل نقاط الصعود.
وكما نقرأ يوسف إدريس يسرد حالته السردية في قصة «النقطة» مسترسلاً في البوح الداخلي بطريقة فلسفية سردية استطرادية قل نظيرها في القص القصير وتصبح جزءاً حيوياً من سرده كله، نجد علوان في قصته «درج» يفلسف معنى الصعود والسقوط بطريقة لا تقل فلسفةً ورؤيةً عن طريقة يوسف إدريس وإن جاءت القصة في شريط لغوي أقصر وأكثف.
لم أرد من قراءتي هنا أن اعقد مقارنات نقدية للنصين المبدعين قدر ما رُمت البحث عن النقطة المشتركة التي جمعتهما فكانت منبع القلق الزمكاني -إذا جاز لي التعبير- الذي يسمهما ويحرّك محفزات التوتر الداخلي للقص في كليهما.. والثيمة الرئيس التي أنبنا عليها النصان القصصيان.
في نص «النقطة» لإدريس المشهد صامت ساكن وهناك من ينتظر وحيداً قطاراً لايأتي.. ينتظر ذلك الظهور المروع المفاجئ للنقطة، والنقطة هي رأس القطار من بعيد فيدق قلبه الحزين بالحياة، حتى لو استحالت النقطة إلى شَرطة والشرطة إلى خط والخط إلى جسد القطار الطويل مظللاً بسحابة الدخان لايهم. الأهم لديه هو ظهور النقطة فهي النبضة وبادئة الحياة الأولى، هي الولادة الجديدة للخليقة، للمشهد المائت من حوله.. هي «الحدث الكوني الهائل».
فلسفة النقطة في نص علوان: «درج» تشير إلى دلالة «نقيضة» لفلسفة إدريس السردية.. بطل القصة يعيش خريفاً داخلياً لكن قيمة الصعود إلى أعلى تظل كما هي رغم ما تسببه له من قلق وتعب. تمنى لو أن بيته نقطة واحدة (طابقاً واحداً).. لكن أوانه النفسي والزمكاني قد مضى. النقطة الواحدة لا تهمه في حالته كما لو كانت في بدايات العمر ويسخر من انمحاء الدرج في نقطة أو نقطتين: «المصعد». الصعود إلى الطابق الثاني عبر نقاط مستطيلة متوالية.. عبر «شرطات» حسب تعبير إدريس له أكثر من معنى للحياة.. فهو العبور عبر نقاط الذاكرة بدءاً من صورة الأب أسفل الدرج وانتهاء بصورة الأخ أو الأخت الأصغر سناً أعلى الدرج. اذن ما الحياة: الدرج، إلاّ نقاط لا يحسن عدها كلها دفعةً واحدة، دقات الساعة ودقات قلبه تحسبها بشكل جيد.!
رغم بدو الفارق الزمني الكتابي والأسلوبي والإشاري والدلالي بعيدا كل البعد في الحالة البوحية السردية، لكننا سنرى أن هناك عاملاً مشتركاً يجمعهما في عددٍ من الخصائص الفنية والرؤيوية.
إنه قانون الصعود والهبوط (الانتقال الزمني والنفسي) عند علوان، كما هو ذاته متجلياً في قانون الانتقال الأفقي والرأسي عند إدريس.
في قصة علوان «درج» تصبح النقطة حالة عمرية متراوحة صعوداً وهبوطاً، متأخرة في آن..ومتقدمة في آنٍ آخر، ويصبح الصعود لا عمق له ومتعباً ومقلقاً، كما هو في حالة النزول إذ العمق المريح عند آخر درجة هو النقطة المبتغاة والمريحة التي تستغني عن كل نقاط الصعود.
وكما نقرأ يوسف إدريس يسرد حالته السردية في قصة «النقطة» مسترسلاً في البوح الداخلي بطريقة فلسفية سردية استطرادية قل نظيرها في القص القصير وتصبح جزءاً حيوياً من سرده كله، نجد علوان في قصته «درج» يفلسف معنى الصعود والسقوط بطريقة لا تقل فلسفةً ورؤيةً عن طريقة يوسف إدريس وإن جاءت القصة في شريط لغوي أقصر وأكثف.
لم أرد من قراءتي هنا أن اعقد مقارنات نقدية للنصين المبدعين قدر ما رُمت البحث عن النقطة المشتركة التي جمعتهما فكانت منبع القلق الزمكاني -إذا جاز لي التعبير- الذي يسمهما ويحرّك محفزات التوتر الداخلي للقص في كليهما.. والثيمة الرئيس التي أنبنا عليها النصان القصصيان.
في نص «النقطة» لإدريس المشهد صامت ساكن وهناك من ينتظر وحيداً قطاراً لايأتي.. ينتظر ذلك الظهور المروع المفاجئ للنقطة، والنقطة هي رأس القطار من بعيد فيدق قلبه الحزين بالحياة، حتى لو استحالت النقطة إلى شَرطة والشرطة إلى خط والخط إلى جسد القطار الطويل مظللاً بسحابة الدخان لايهم. الأهم لديه هو ظهور النقطة فهي النبضة وبادئة الحياة الأولى، هي الولادة الجديدة للخليقة، للمشهد المائت من حوله.. هي «الحدث الكوني الهائل».
فلسفة النقطة في نص علوان: «درج» تشير إلى دلالة «نقيضة» لفلسفة إدريس السردية.. بطل القصة يعيش خريفاً داخلياً لكن قيمة الصعود إلى أعلى تظل كما هي رغم ما تسببه له من قلق وتعب. تمنى لو أن بيته نقطة واحدة (طابقاً واحداً).. لكن أوانه النفسي والزمكاني قد مضى. النقطة الواحدة لا تهمه في حالته كما لو كانت في بدايات العمر ويسخر من انمحاء الدرج في نقطة أو نقطتين: «المصعد». الصعود إلى الطابق الثاني عبر نقاط مستطيلة متوالية.. عبر «شرطات» حسب تعبير إدريس له أكثر من معنى للحياة.. فهو العبور عبر نقاط الذاكرة بدءاً من صورة الأب أسفل الدرج وانتهاء بصورة الأخ أو الأخت الأصغر سناً أعلى الدرج. اذن ما الحياة: الدرج، إلاّ نقاط لا يحسن عدها كلها دفعةً واحدة، دقات الساعة ودقات قلبه تحسبها بشكل جيد.!