كتاب ومقالات

صابر ومرضية

وفاء الرشيد

صابر موظف في قطاع حكومي مرموق بالمرتبة السابعة براتب لا يتعدى 7500 ريال مع كل البدلات! له من الأولاد 4، ويسكن في بيت إيجار وسيارته تتعطل كل شهرين ولا يملك تأمينا صحيا.. هاتف وإنترنت وكهرباء وماء وبنزين وفواتير نقال وكسوة الشتاء والصيف.. أمه تزوره كل شهر وتجتمع العائلة كل 3 شهور، والمقاضي تزيد آخر كل شهر من طلبات الأولاد ومدارسهم وضغوط الحياة.. صابر له زوجة اسمها مرضية وهي مدبرة بالقليل وقليلة الطلبات، ولكنهم يحلمون بمستقبل أجمل لأولادهم الأربعة وببيت يحميهم من ذل الزمن وتقلباته، ولكن المدارس الحكومية لن تضمن لهم اللغة والمدارس الخاصة لا تقل رسومها عن 23 ألف ريال للطالب في مدينتهم..

صابر يعمل في قسم مشتريات الوزارة وتمر تحت يديه عروض ومناقصات بأرقام فلكية بالنسبة لدخله ولكنه يخاف الله وصابر.. في يوم اكتشف أن مديره يرتشي وفتح شركة باسم ابن خالته، لأنه لا يستطيع أن يمارس التجارة، شركة يرسي مشاريع عليها ويعمل بالقطاع الخاص من خلالها وأصبح اليوم من أهم أعيان المدينة.. ومن هذه الأموال اشترى سيارته الجديدة وسفر أولاده لمصر! وفي يوم آخر كذلك اكتشف أن زميله الذي في المرتبة السادسة يقبل هدايا يعيد بيعها بالسوق بسعر رخيص! تحسب صابر وصبر.. ومرضت مرضية الصابرة وشخصت بمرض التصلب اللويحي بين يديه، مرض يصيب مناعة الجسم ويفقدك مع الوقت القدرة على المشي والكلام.. وأصبحت حركتها صعبة بالبيت وآلامها تون في أذنيه كل ليلة، وفجأه وجد نفسه بعد أكثر من 20 عاما من العمل لدى الوزارة يحارب لوحده الحياة من أجل مرضية وأولاده بلا أي سند ولا ضامن من جهة أعطاها 20 عاما من عمره ووقته وشبابه.. وحده يحارب من أجل مرضية.

من هو الفاسد الحقيقي هنا؟ مجرد سؤال؟ هل هو الهيكل الإداري العقيم الذي أنتج لنا نماذج محبطة وأخرى فاسدة في قطاعات حكومية مختلفة كانت هي السند والمسهل والضامن لكل فاسد كبير انتهى حاله بالريتز؟ وآخرين ما زالوا بيننا يتمخطرون.. أين هو بيت الدبابير بالضبط؟ هل هو في أعلى السلم أو أسفله؟ أو هو السلم نفسه؟ ولماذا يسرق البعض من موظفي الحكومة؟ أو يضطرون للسرقة؟ دعونا من قل الإيمان والذمة والبعد عن الله، ولننظر للحياة وتحدياتها ومغرياتها ومعاركها بكل تجرد وحيادية، فصابر له الحق أن يعيش وأولاد مرضية لهم حق بحياة كريمة.

أنا هنا بسطوري هذه لا أبرر للفاسد ولا أدافع عن الفساد بقدر ما أنا أحاول أن أدق ناقوس خطر بأن الشيطان هو بالتفاصيل وليس في السطور العريضة، وألفت النظر إلى أن إصلاح الهيكل الإداري والخدمي بالحكومة هو أقصر الطرق لمحاربة الفساد والإصلاح.. وليكن لنا، بعد تعديل الهيكل الإداري في الحكومة، نشرة شهرية نشهر فيها بالصغار تماما كما شهرنا بالكبار بلا أي اعتبارات.

* كاتبة سعودية

WwaaffaaA@