كتاب ومقالات

التنمية الريفية من منظور التراث العمراني

رنا منير القاضي

إن التغيرات في شبكات الإنتاج العالمية وزيادة التحضر وهجرة القرى للبحث عن سبل العيش الأفضل، غيرت طابع المناطق الريفية في منطقة عسير من بنية اجتماعية ونمو اقتصادي محلي إلى تراث مهجور، فزيادة التحضر والتوجه نحو حياة المدينة غير من اهتمامات المزارعين الموروثة، فتصدر المصنعون التغيير وأصبحوا المحركات الاقتصادية للمدن، فهجرة القرى المتوارثة، ترتب عليها تغيير في تواجهات التنمية المجتمعية المحلية لتصبح استهلاكية.

إن تركيز التنمية تقليديا في السابق اعتمد على استغلال الموارد الطبيعية في الأراضي الغنية بالمصادر الطبيعية، وعليه استمرت سلسلة التزهير وجني المحاصيل طوال العام لتنوع المناخ الجغرافي من قمم الجبال إلى أقدامها، حتى وديانها.

تلعب البنية التحتية المادية والبنية التحتية الاجتماعية دورا مهما في تنمية المناطق، فتركيز التنمية الريفية على إستراتيجيات التنمية الاقتصادية المنتجة محليا هو توجه رائد لانتعاش المناطق اقتصاديا عن طريق الشراكات المجتمعية التي سيصنع من خلالها السياحية الريفية للمناطق.

من منظور التراث العمراني يجب أن تركز التنمية الريفية على تطوير المناطق خارج النظام الاقتصادي الحضري السائد. فالتفكير في التنمية الريفية يجب أن يلازمه الحفاظ على تراث القرى الريفية حتى لا يتأثر تراث المناطق العمرانية أو تتحول الحرف التراثية إلى صناعة استهلاكية، فتتحول القرى بطريقة غير مباشرة إلى مدن صناعية بالمقابل، فيُفقد الإرث التاريخي في سبيل طلبات الاستهلاك المحلي.

إن الدول المتقدمة تهدف إلى تعزيز التنمية الاجتماعية والاقتصادية للمجتمعات الريفية وليس تغيير الطابع الريفي إلى متمدن.

فبعد أن كان المصطلح التنموي الريفي مقتصرا على قضايا البلدان النامية، بدأت العديد من البلدان المتقدمة تعزيز البرامج التنموية الريفية، مع تأكيد الحفاظ على الإرث الثقافي الذي يعد هوية المنطقة والمجتمع معا.

قد أدت الحاجة إلى المجتمعات الريفية اليوم إلى تناول التنمية من منظور أوسع، وزيادة التركيز على الأهداف الإنمائية بدلاً من مجرد خلق حافز للأعمال التجارية الزراعية أو الأعمال القائمة على الموارد.

فالسياحة المجتمعية وتنمية الحرف اليدوية وفنون المناطق، إرث ثقافي يصنع سياحة المناطق.

تعد التنمية الريفية عملية تحسين نوعية الحياة بعودة الحياة الزراعية والإنتاج، فتخلف القطاع الريفي يعد عقبة رئيسية أمام التقدم الشامل للاقتصاد.

والمؤسسات التي تقوم بمعالجة أو تنقيح أو تعبئة أو نقل وتخزين وتسويق أو بيع المواد الغذائية، وكذلك الشركات التي توفر مدخلات الإنتاج مثل البذور والأدوات والمعدات والأسمدة أو توفر خدمات الري أو الحرث أو غيرها من الخدمات هي التنمية التي ستزيد من الشراكات المجتمعية التي يحرص عليها العالم المتقدم.

فالطلب المتزايد من أسواق الأغذية الحضرية في المدن يحتاج خلق تشريعات وبرامج تسهيلية لإحياء الزراعة ودعمها.

لذلك بناء البنية التحتية اللازمة لربط المناطق الريفية والأسواق الحضرية هو توجه تنموي وسيزيد نسبة منتجي الأغذية بدلا من مستهلكيها.

التوسع الحضري إن قابله التوسع الريفي سيخلق فرصا ذهبية للزراعة المحلية والهجرة العكسية للقرى التاريخية في منطقة عسير.

* كاتبة سعودية

alkadirana@