ثقافة وفن

محمد النفيعي يطبع الشتاء ابتسامة على شفاه يتيم

محمد النفيعي

قراءة: علي الرباعي

من المضني للفنان تعلّقه بالبرهنة على عظمة الإنسان وأحقيته في الحياة الكريمة، والتصدي لكل ما يغبّش الصورة أو يشوّش المُصوّر. تنطلق به رؤيته إلى محاولات فك المزيد من الطلاسم لإثبات الحقيقة التي آمن بها (صادح) لا يملك أكثر من صوته وحسن ظنه باللغة التي لن تعيد مهدّماً ولا تنصر مظلوماً ولا تحيق بظالم إلا أنها يمكن أن تعزز احترام الآدمي لذاته، والشاعر الراحل محمد خالد النفيعي يحمل رسالة إنسانية ظاهرها (خلاص) وباطنها (قصاص) وهو ينادي على نديم من الأسلاف عسى أن يرتّل عليه ما تبقى من حكايات أسطورية محاولاً الاحتفاظ بشخصية متوازنة في تقييمها للأحداث والمحدثين «رتّل حفيف العالق بسيفك من الدم الوفي، واترك جنوني ينتحل شخصية إنسانٍ حكيم».

وجد الشاعر في ألحانه سلوة للروح وترياقاً للخلوة وبلسماً لشقاء المسافات الطويلة، إلا أنه وبحكم طبيعة التردد والخوف من الإيغال في تكليف الأشياء والأشخاص فوق طاقتها يبدأ الشقي بالسليقة حال سجن تطلعاته في محبس توجسه في الرسم بالكلمات ووضعنا أمام معادلة الخوف من المغامرة التي لا بد من دفع ثمنها «ما ودي استوفي بعض دين الشتا من معطفي، ولا ودي اقتات الضيا من سلّة الليل البهيم، ما قول انا دمعك رقص لانشودة البرد ودفي، لكن ابعرف من طعن بوابة الشمعة بمزلاج السديم».

وبما أن الأقسى من الحقائق توفير آليات الوصول إليها فلا مناص للشاعر من التذرع بأسباب مقنعة للخلاص من تقديم القرابين وتحمل وزر المسؤولية «الكوثر العذب انتهى وأصغر خطايا موقفي، تشرب ملامح نسمتك والنافذة وجهٍ قديم».

وإذا بلغت الأحلام مستوى الجنوح، فالإقرار بالتهم شرف وإن تصدت لنفيها تطلعات إنسانية النزعة، لتغدو ثيمة نص النفيعي قوة منافحة تأبى قهر الإنسان وتدفع شفيف المشاعر إلى خلق حِيَل كلامية لإقامة حرم لا يُقهر وأسيجة لا يمكن عبورها، وبما أن جنوح الأحلام تهمة ثابتة فمن الطبيعي أن تخطئ غنوة الأمطار مسامع من هو في أمس الحاجة إليها «تهمة جنوح احلامنا لو عنك يدحضها نفي، كان استدلت غنوة الامطار عنوان الهشيم!». وبما أن الوصايا شأن المحرّز على حرزه، تنطلق إرشادات المحبة لتعزز في روح المنصوح القدرة على تفادي شرك الأيام الموغلة في المجهول برعونة فيما يظل الناصح موجودا مفقودا في ذات الوقت وكأنما هو يستشرف حالة تأتي لاحقاً بالقرب من دائرة الشاعر «اوقظ نعاس الريح انا واظهر ثواني واختفي، مثل ابتسامات الفرح في شفة الطفل اليتيم».

وبما أن الماء والنار صنوان في النصوص المقدسة عبر التاريخ، يستعير النفيعي ملمحاً يتشاكل مع النص القرآني حين تسجّر البحار وتتغير ملامح لتبقى الذاكرة وحدها طوق نجاة من المدلهمات الجسام «ولا شفت ينبوعك لبس تعويذة النار وصفي، وانت وانا في منتصف.. في منتصف درب الجحيم، آخذ سفور الما معي وحجاب طين ولا اكتفي، واصير انا لا ضمني ثوب الخطأ فظٍ رحيم، وللذاكرة لا شدنا صوتٍ من الداخل خفي، سافرت بك.. سافرت بك فوق ابتهالات النسيم».