من عيون الشعر
الأربعاء / 04 / جمادى الآخرة / 1441 هـ الأربعاء 29 يناير 2020 04:05
إعداد: فهد محمد سعد fahadoof_s@
الشعر عند العرب لم يكن قولاً عابراً، بل كان فضاءً واسعاً يعبّر فيه العربيّ عن أحاسيسه فيرسمها في لوحة رسامٍ، كأن من يقرأها أو يسمع بها، يعيش تفاصيلها، تملؤها الحكمة الأخاذة، والأخلاق السامية الرفيعة، أنغامٌ موسيقيّةٌ تطرب المسامع، وترق لها الأفئدة، متوازنة بلا خلل، ممتعة بلا ملل، يعتز به أهله ويفتخرون بكل ما فيه. وإن شابته بعض الشوائب لا تعكر صفوه الجميل.
يعتبر الشنفرى من الشعراء الصعاليك، تقول بعض الروايات أنه بعد أن قتل بنو سلمان بن مفرج والده، أقسم أن يقتل 100 شخص منهم، تمكن من قتل 99 رجلا منهم، وأوفى بوعده بعد مماته عندما ركل رجل من بني سلمان برجله جمجمة الشنفرى فدخلت عظمة في رجله ومات على إثرها. اشتهر الشنفرى بـ(لامية العرب)، التي عبّر فيها عن طبيعة الحياة البدوية في الفترة الجاهلية، بالإضافة إلى أنها تُظهر عشقه للصحراء وولعه بالحرية والوحدة. فقال في لاميته:
أَقِيمُوا بَنِي أُمِّي صُدُورَ مَطِيِّكُمْ
فَإنِّي إلى قَوْمٍ سِوَاكُمْ لَأَمْيَلُ
فَقَدْ حُمَّتِ الحَاجَاتُ وَاللَّيْلُ مُقْمِرٌ
وَشُدَّتْ لِطِيّاتٍ مَطَايَا وَأرْحُلُ
وفي الأَرْضِ مَنْأَى لِلْكَرِيمِ عَنِ الأَذَى
وَفِيهَا لِمَنْ خَافَ القِلَى مُتَعَزَّلُ
لَعَمْرُكَ مَا بِالأَرْضِ ضِيقٌ على امْرِئٍ
سَرَى رَاغِبَاً أَوْ رَاهِبَاً وَهْوَ يَعْقِلُ
وَلِي دُونَكُمْ أَهْلُون: سِيدٌ عَمَلَّسٌ
وَأَرْقَطُ زُهْلُولٌ وَعَرْفَاءُ جَيْأََلُ
هُمُ الأَهْلُ لا مُسْتَودَعُ السِّرِّ ذَائِعٌ
لَدَيْهِمْ وَلاَ الجَانِي بِمَا جَرَّ يُخْذَلُ
وَكُلٌّ أَبِيٌّ بَاسِلٌ غَيْرَ أنَّنِي
إذا عَرَضَتْ أُولَى الطَرَائِدِ أبْسَلُ
وَإنْ مُدَّتِ الأيْدِي إلى الزَّادِ لَمْ أكُنْ
بَأَعْجَلِهِمْ إذْ أَجْشَعُ القَوْمِ أَعْجَلُ
وَمَا ذَاكَ إلّا بَسْطَةٌ عَنْ تَفَضُّلٍ
عَلَيْهِمْ وَكَانَ الأَفْضَلَ المُتَفَضِّلُ
وَإنّي كَفَانِي فَقْدَ مَنْ لَيْسَ جَازِيَاً
بِحُسْنَى ولا في قُرْبِهِ مُتَعَلَّلُ
مُهَلَّلَةٌ شِيبُ الوُجُوهِ كأنَّها
قِدَاحٌ بأيدي ياسِرٍ تَتَقَلْقَلُ
شَكَا وَشَكَتْ ثُمَّ ارْعَوَى بَعْدُ وَارْعَوَتْ
وَلَلْصَبْرُ إنْ لَمْ يَنْفَعِ الشَّكْوُ أجْمَلُ
وَفَاءَ وَفَاءَتْ بَادِراتٍ وَكُلُّها
على نَكَظٍ مِمَّا يُكَاتِمُ مُجْمِلُ
وَتَشْرَبُ أسْآرِي القَطَا الكُدْرُ بَعْدَما
سَرَتْ قَرَبَاً أحْنَاؤها تَتَصَلْصَلُ
هَمَمْتُ وَهَمَّتْ وَابْتَدَرْنَا وأسْدَلَتْ
وشَمَّرَ مِنِّي فَارِطٌ مُتَمَهِّلُ
فَوَلَّيْتُ عَنْها وَهْيَ تَكْبُو لِعُقْرِهِ
يُبَاشِرُهُ منها ذُقُونٌ وَحَوْصَلُ
كأنَّ وَغَاها حَجْرَتَيهِ وَحَوْلَهُ
أضَامِيمُ مِنْ سَفْرِ القَبَائِلِ نُزَّلُ
تَوَافَيْنَ مِنْ شَتَّى إِلَيهِ فَضَمَّهَا
كما ضَمَّ أذْوَادَ الأصَارِيمِ مَنْهَلُ
فَغَبَّ غِشَاشَاً ثُمَّ مَرَّتْ كأنّها
مَعَ الصُّبْحِ رَكْبٌ مِنْ أُحَاظَةَ مُجْفِلُ
وآلَفُ وَجْهَ الأرْضِ عِنْدَ افْتَراشِها
بأَهْدَأَ تُنْبِيهِ سَنَاسِنُ قُحَّلُ
وَأعْدِلُ مَنْحُوضاً كأنَّ فُصُوصَهُ
كعَابٌ دَحَاهَا لاعِبٌ فَهْيَ مُثَّلُ
فإنْ تَبْتَئِسْ بالشَّنْفَرَى أمُّ قَسْطَلٍ
لَمَا اغْتَبَطَتْ بالشَّنْفَرَى قَبْلُ أطْوَلُ
طَرِيدُ جِنَايَاتٍ تَيَاسَرْنَ لَحْمَهُ
عَقِيرَتُهُ لأِيِّها حُمَّأَوَّلُ
تَنَامُ إذا مَا نَامَ يَقْظَى عُيُونُها
حِثَاثَاً إلى مَكْرُوهِهِ تَتَغَلْغَلُ
وإلْفُ هُمُومٍ ما تَزَالُ تَعُودُهُ
عِيَاداً كَحُمَّى الرِّبْعِ أو هِيَ أثْقَلُ
إذا وَرَدَتْ أصْدَرْتُها ثمّ إنّها
تَثُوبُ فَتَأتي مِنْ تُحَيْتُ ومِنْ عَلُ
فإمّا تَرَيْنِي كابْنَةِ الرَّمْلِ ضَاحِيَاً
على رِقَّةٍ أحْفَى ولا أَتَنَعَّلُ
فإنّي لَمَولَى الصَّبْرِ أجتابُ بَزَّهُ
على مِثْلِ قَلْبِ السِّمْعِ والحَزْمَ أفْعَلُ
وأُعْدِمُ أَحْيَاناً وأَغْنَى وإنَّما
يَنَالُ الغِنَى ذو البُعْدَةِ المُتَبَذِّلُ
فلا جَزِعٌ مِنْ خَلَّةٍ مُتَكَشِّفٌ
ولا مَرِحٌ تَحْتَ الغِنَى أتَخَيَّلُ
ولا تَزْدَهِي الأجْهالُ حِلْمِي ولا أُرَى
سَؤُولاًَ بأعْقَاب الأقَاويلِ أُنْمِلُ
وَلَيْلَةِ نَحْسٍ يَصْطَلي القَوْسَ رَبُّها
وَأقْطُعَهُ اللَّاتي بِهَا يَتَنَبَّلُ
دَعَسْتُ على غَطْشٍ وَبَغْشٍ وَصُحْبَتي
سُعَارٌ وإرْزِيزٌ وَوَجْرٌ وَأفَكَلُ
فأيَّمْتُ نِسْوَانَاً وأيْتَمْتُ إلْدَةً
وَعُدْتُ كما أبْدَأْتُ واللَّيْلُ ألْيَلُ
وأصْبَحَ عَنّي بالغُمَيْصَاءِ جَالساً
فَرِيقَانِ: مَسْؤُولٌ وَآخَرُ يَسْألُ
فَقَالُوا: لَقَدْ هَرَّتْ بِلَيْلٍ كِلَابُنَا
فَقُلْنَا: أذِئْبٌ عَسَّ أمْ عَسَّ فُرْعُلُ
فَلَمْ يَكُ إلاَّ نَبْأةٌ ثُمَّ هَوَّمَتْ
فَقُلْنَا: قَطَاةٌ رِيعَ أمْ رِيعَ أجْدَلُ
فَإِنْ يَكُ مِنْ جِنٍّ لأبْرَحُ طارِقاً
وإنْ يَكُ إنْسَاً ما كَها الإنسُ تَفْعَلُ
وَيومٍ مِنَ الشِّعْرَى يَذُوبُ لُعَابُهُ
أفاعِيهِ في رَمْضائِهِ تَتَمَلْمَلُ
نَصَبْتُ له وَجْهي ولا كِنَّ دُونَهُ
ولا سِتْرَ إلاَّ الأتْحَمِيُّ المُرَعْبَل
وَضَافٍ إذا طَارَتْ له الرِّيحُ طَيَّرَتْ
لبائِدَ عن أعْطَافِهِ ما تُرَجَّلُ
تَرُودُ الأرَاوِي الصُّحْمُ حَوْلي كأنّها
عَذَارَى عَلَيْهِنَّ المُلاَءُ المُذَيَّلُ
ويَرْكُدْنَ بالآصَالِ حَوْلِي كأنّنـي
مِنَ العُصْمِ أدْفى يَنْتَحي الكِيحَ أعْقَلُ
يعتبر الشنفرى من الشعراء الصعاليك، تقول بعض الروايات أنه بعد أن قتل بنو سلمان بن مفرج والده، أقسم أن يقتل 100 شخص منهم، تمكن من قتل 99 رجلا منهم، وأوفى بوعده بعد مماته عندما ركل رجل من بني سلمان برجله جمجمة الشنفرى فدخلت عظمة في رجله ومات على إثرها. اشتهر الشنفرى بـ(لامية العرب)، التي عبّر فيها عن طبيعة الحياة البدوية في الفترة الجاهلية، بالإضافة إلى أنها تُظهر عشقه للصحراء وولعه بالحرية والوحدة. فقال في لاميته:
أَقِيمُوا بَنِي أُمِّي صُدُورَ مَطِيِّكُمْ
فَإنِّي إلى قَوْمٍ سِوَاكُمْ لَأَمْيَلُ
فَقَدْ حُمَّتِ الحَاجَاتُ وَاللَّيْلُ مُقْمِرٌ
وَشُدَّتْ لِطِيّاتٍ مَطَايَا وَأرْحُلُ
وفي الأَرْضِ مَنْأَى لِلْكَرِيمِ عَنِ الأَذَى
وَفِيهَا لِمَنْ خَافَ القِلَى مُتَعَزَّلُ
لَعَمْرُكَ مَا بِالأَرْضِ ضِيقٌ على امْرِئٍ
سَرَى رَاغِبَاً أَوْ رَاهِبَاً وَهْوَ يَعْقِلُ
وَلِي دُونَكُمْ أَهْلُون: سِيدٌ عَمَلَّسٌ
وَأَرْقَطُ زُهْلُولٌ وَعَرْفَاءُ جَيْأََلُ
هُمُ الأَهْلُ لا مُسْتَودَعُ السِّرِّ ذَائِعٌ
لَدَيْهِمْ وَلاَ الجَانِي بِمَا جَرَّ يُخْذَلُ
وَكُلٌّ أَبِيٌّ بَاسِلٌ غَيْرَ أنَّنِي
إذا عَرَضَتْ أُولَى الطَرَائِدِ أبْسَلُ
وَإنْ مُدَّتِ الأيْدِي إلى الزَّادِ لَمْ أكُنْ
بَأَعْجَلِهِمْ إذْ أَجْشَعُ القَوْمِ أَعْجَلُ
وَمَا ذَاكَ إلّا بَسْطَةٌ عَنْ تَفَضُّلٍ
عَلَيْهِمْ وَكَانَ الأَفْضَلَ المُتَفَضِّلُ
وَإنّي كَفَانِي فَقْدَ مَنْ لَيْسَ جَازِيَاً
بِحُسْنَى ولا في قُرْبِهِ مُتَعَلَّلُ
مُهَلَّلَةٌ شِيبُ الوُجُوهِ كأنَّها
قِدَاحٌ بأيدي ياسِرٍ تَتَقَلْقَلُ
شَكَا وَشَكَتْ ثُمَّ ارْعَوَى بَعْدُ وَارْعَوَتْ
وَلَلْصَبْرُ إنْ لَمْ يَنْفَعِ الشَّكْوُ أجْمَلُ
وَفَاءَ وَفَاءَتْ بَادِراتٍ وَكُلُّها
على نَكَظٍ مِمَّا يُكَاتِمُ مُجْمِلُ
وَتَشْرَبُ أسْآرِي القَطَا الكُدْرُ بَعْدَما
سَرَتْ قَرَبَاً أحْنَاؤها تَتَصَلْصَلُ
هَمَمْتُ وَهَمَّتْ وَابْتَدَرْنَا وأسْدَلَتْ
وشَمَّرَ مِنِّي فَارِطٌ مُتَمَهِّلُ
فَوَلَّيْتُ عَنْها وَهْيَ تَكْبُو لِعُقْرِهِ
يُبَاشِرُهُ منها ذُقُونٌ وَحَوْصَلُ
كأنَّ وَغَاها حَجْرَتَيهِ وَحَوْلَهُ
أضَامِيمُ مِنْ سَفْرِ القَبَائِلِ نُزَّلُ
تَوَافَيْنَ مِنْ شَتَّى إِلَيهِ فَضَمَّهَا
كما ضَمَّ أذْوَادَ الأصَارِيمِ مَنْهَلُ
فَغَبَّ غِشَاشَاً ثُمَّ مَرَّتْ كأنّها
مَعَ الصُّبْحِ رَكْبٌ مِنْ أُحَاظَةَ مُجْفِلُ
وآلَفُ وَجْهَ الأرْضِ عِنْدَ افْتَراشِها
بأَهْدَأَ تُنْبِيهِ سَنَاسِنُ قُحَّلُ
وَأعْدِلُ مَنْحُوضاً كأنَّ فُصُوصَهُ
كعَابٌ دَحَاهَا لاعِبٌ فَهْيَ مُثَّلُ
فإنْ تَبْتَئِسْ بالشَّنْفَرَى أمُّ قَسْطَلٍ
لَمَا اغْتَبَطَتْ بالشَّنْفَرَى قَبْلُ أطْوَلُ
طَرِيدُ جِنَايَاتٍ تَيَاسَرْنَ لَحْمَهُ
عَقِيرَتُهُ لأِيِّها حُمَّأَوَّلُ
تَنَامُ إذا مَا نَامَ يَقْظَى عُيُونُها
حِثَاثَاً إلى مَكْرُوهِهِ تَتَغَلْغَلُ
وإلْفُ هُمُومٍ ما تَزَالُ تَعُودُهُ
عِيَاداً كَحُمَّى الرِّبْعِ أو هِيَ أثْقَلُ
إذا وَرَدَتْ أصْدَرْتُها ثمّ إنّها
تَثُوبُ فَتَأتي مِنْ تُحَيْتُ ومِنْ عَلُ
فإمّا تَرَيْنِي كابْنَةِ الرَّمْلِ ضَاحِيَاً
على رِقَّةٍ أحْفَى ولا أَتَنَعَّلُ
فإنّي لَمَولَى الصَّبْرِ أجتابُ بَزَّهُ
على مِثْلِ قَلْبِ السِّمْعِ والحَزْمَ أفْعَلُ
وأُعْدِمُ أَحْيَاناً وأَغْنَى وإنَّما
يَنَالُ الغِنَى ذو البُعْدَةِ المُتَبَذِّلُ
فلا جَزِعٌ مِنْ خَلَّةٍ مُتَكَشِّفٌ
ولا مَرِحٌ تَحْتَ الغِنَى أتَخَيَّلُ
ولا تَزْدَهِي الأجْهالُ حِلْمِي ولا أُرَى
سَؤُولاًَ بأعْقَاب الأقَاويلِ أُنْمِلُ
وَلَيْلَةِ نَحْسٍ يَصْطَلي القَوْسَ رَبُّها
وَأقْطُعَهُ اللَّاتي بِهَا يَتَنَبَّلُ
دَعَسْتُ على غَطْشٍ وَبَغْشٍ وَصُحْبَتي
سُعَارٌ وإرْزِيزٌ وَوَجْرٌ وَأفَكَلُ
فأيَّمْتُ نِسْوَانَاً وأيْتَمْتُ إلْدَةً
وَعُدْتُ كما أبْدَأْتُ واللَّيْلُ ألْيَلُ
وأصْبَحَ عَنّي بالغُمَيْصَاءِ جَالساً
فَرِيقَانِ: مَسْؤُولٌ وَآخَرُ يَسْألُ
فَقَالُوا: لَقَدْ هَرَّتْ بِلَيْلٍ كِلَابُنَا
فَقُلْنَا: أذِئْبٌ عَسَّ أمْ عَسَّ فُرْعُلُ
فَلَمْ يَكُ إلاَّ نَبْأةٌ ثُمَّ هَوَّمَتْ
فَقُلْنَا: قَطَاةٌ رِيعَ أمْ رِيعَ أجْدَلُ
فَإِنْ يَكُ مِنْ جِنٍّ لأبْرَحُ طارِقاً
وإنْ يَكُ إنْسَاً ما كَها الإنسُ تَفْعَلُ
وَيومٍ مِنَ الشِّعْرَى يَذُوبُ لُعَابُهُ
أفاعِيهِ في رَمْضائِهِ تَتَمَلْمَلُ
نَصَبْتُ له وَجْهي ولا كِنَّ دُونَهُ
ولا سِتْرَ إلاَّ الأتْحَمِيُّ المُرَعْبَل
وَضَافٍ إذا طَارَتْ له الرِّيحُ طَيَّرَتْ
لبائِدَ عن أعْطَافِهِ ما تُرَجَّلُ
تَرُودُ الأرَاوِي الصُّحْمُ حَوْلي كأنّها
عَذَارَى عَلَيْهِنَّ المُلاَءُ المُذَيَّلُ
ويَرْكُدْنَ بالآصَالِ حَوْلِي كأنّنـي
مِنَ العُصْمِ أدْفى يَنْتَحي الكِيحَ أعْقَلُ