ابن تيمية والقانون المصري
الجمعة / 07 / جمادى الآخرة / 1441 هـ السبت 01 فبراير 2020 00:34
عبدالله الرشيد
انتقد علي جمعة -مفتي مصر السابق- شخصية شيخ الإسلام ابن تيمية، موضحاً بعض المؤاخذات عليه في حوار تلفزيوني على قناة سي بي سي المصرية. ثم قال: «بناء على ذلك نحن في الأزهر لا نعتبر ابن تيمية مصدراً، وكتبه لا تدرس في كليات ومعاهد الأزهر، ولو اطلعت على جميع المناهج الدينية لن تجد أي كتاب لابن تيمية»، يؤكد هذا الأمر أيضاً عبدالفتاح العواري -عميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر- قائلاً: «كتب ابن تيمية وابن القيم لا تُدرس في جامعة الأزهر الشريف، فهي لا تمثل الأزهر، ولا وسطيته».
لكن رغم أن الأزهر لا يعترف بكتب ابن تيمية، ولا يعتد بها مصدراً علمياً، فإننا نجد من ناحية أخرى أن القانون المصري نفسه قد اعتبره مصدراً، واستقى من اختياراته وآرائه الفقهية، حيث امتدت بصمات ابن تيمية وآثاره إلى هذا القانون، الذي يعد أول قوانين الأحوال الشخصية صياغة في العالم الإسلامي.
أشار إلى هذه النقطة الشيخ محمد أبو زهرة في كتابه (ابن تيمية.. حياته وعصره)، حيث قال: «نحن المصريين في قوانين الزواج، والوصية، والوقف قد نهلنا من آرائه، فكثير مما اشتمل عليه القانون رقم 25 لسنة 1929 مأخوذ من آرائه، مقتبس من اختياراته، وشروط الواقفين، والوصايا اقتبست أحكامها في قانوني الوقف والوصية من أقواله».
وحين نرجع إلى عدد من قوانين الأحوال الشخصية في العالم العربي، ليس مصر وحدها، بل القانون المدني الأردني، والمغربي، والعراقي، والنظام الخليجي الموحد، نجد أن تلك القوانين قد اشتملت على عدد لا بأس به من اختيارات شيخ الإسلام الفقهية، التي وُصف ابن تيمية فيها بأنه خالف الإجماع.
من أمثلة ذلك فتوى ابن تيمية الشهيرة في الطلاق، وهي أن الطلاق بالثلاث دفعة واحدة، لفظاً أو إشارة، لا يقع إلا طلقة واحدة. وهذا خلاف المعتمد عند المذاهب الأربعة، الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة، حيث رأى الجمهور أن الطلاق يقع بالعدد الذي تلفظ به، فإن قال: أنت طالق بالثلاث، أصبحت منه بائنا، ولا تحل له حتى تتزوج رجلاً غيره، ويطلقها. لكن ابن تيمية قال: «إذا طلقها ثلاثاً بكلمة، أو كلمات في طهر واحد، فلا يقع إلا طلقة واحدة». وامتُحن ابن تيمية بسبب موقفه في مسائل الطلاق، وثار عليه جمع من العلماء، ومُنع من الإفتاء، وأوذي، وسجن.
لكن اليوم.. أصبحت هذه الفتوى لابن تيمية معتمدة في القانون المدني المصري، حيث جاء في المادة (3) من القانون المصري رقم 25 لسنة 1929، المعدل بالقانون 100 لسنة 1985 ما نصه: «الطلاق المقترن بعدد -لفظاً أو إشارة- لا يقع إلا واحدة». مثل ذلك ما ورد أيضاً في مدونة الأسرة المغربية في المادة (92)، وقانون الأحوال الشخصية الأردني المادة (89)، وفي النظام الموحد للأحوال الشخصية لدول مجلس التعاون الخليجي، المادة (85).
ومن المسائل أيضاً: طلاق السكران، حيث المعتمد في المذاهب الأربعة، هو وقوع طلاق السكران، بينما خالف ابن تيمية الجمهور، وقال بعدم وقوع طلاق السكران، «فمن تأمل أصول الشريعة، ومقاصدها تبين له أن هذا القول هو الصواب.. فالصحيح أن الطلاق لا يقع إلا ممن يعلم ما يقول». (مجموع الفتاوى 33/103). وهذا ما اختاره القانون المصري رقم 25 لسنة 1929، والمعدل 1985، وفيه ما نصه: «لا يقع طلاق السكران»، وهو المعتمد أيضاً في القانون العراقي، والمغربي، والأردني، والخليجي.
اللافت أن كثيراً من اختيارات ابن تيمية التي خالف فيها الجمهور، مثل عدم وقوع الطلاق المعلق بقصد اليمين، وعدم وقوع طلاق الغضبان، ووجوب توثيق الرجعة، وغيرها، أصبحت معتمدة اليوم في عدد من القوانين المدنية الحديثة في العالم العربي. (للمزيد، انظر: موافقة قوانين الأحوال الشخصية لاختيارات ابن تيمية، د. مساعد الحقيل، الجمعية القضائية السعودية).
هذه الشواهد تكشف لنا أن إطلاق الأحكام العامة تجاه شخصيات تاريخية قد يعيق بشكل كبير عن فهم تراثها، وتحليله بشكل علمي موضوعي، ويحجب عنا الصورة الكاملة.
لا يعني ذلك أن نغرق في عصره، وسجالات زمانه.. لكن ما دامت تلك الشخصية حاضرة في زماننا بأشكال مختلفة، لماذا لا نتوقف قليلاً، وننحى العواطف والمواقف والمسبقة جانباً، ونتأمل بهدوء.
لكن رغم أن الأزهر لا يعترف بكتب ابن تيمية، ولا يعتد بها مصدراً علمياً، فإننا نجد من ناحية أخرى أن القانون المصري نفسه قد اعتبره مصدراً، واستقى من اختياراته وآرائه الفقهية، حيث امتدت بصمات ابن تيمية وآثاره إلى هذا القانون، الذي يعد أول قوانين الأحوال الشخصية صياغة في العالم الإسلامي.
أشار إلى هذه النقطة الشيخ محمد أبو زهرة في كتابه (ابن تيمية.. حياته وعصره)، حيث قال: «نحن المصريين في قوانين الزواج، والوصية، والوقف قد نهلنا من آرائه، فكثير مما اشتمل عليه القانون رقم 25 لسنة 1929 مأخوذ من آرائه، مقتبس من اختياراته، وشروط الواقفين، والوصايا اقتبست أحكامها في قانوني الوقف والوصية من أقواله».
وحين نرجع إلى عدد من قوانين الأحوال الشخصية في العالم العربي، ليس مصر وحدها، بل القانون المدني الأردني، والمغربي، والعراقي، والنظام الخليجي الموحد، نجد أن تلك القوانين قد اشتملت على عدد لا بأس به من اختيارات شيخ الإسلام الفقهية، التي وُصف ابن تيمية فيها بأنه خالف الإجماع.
من أمثلة ذلك فتوى ابن تيمية الشهيرة في الطلاق، وهي أن الطلاق بالثلاث دفعة واحدة، لفظاً أو إشارة، لا يقع إلا طلقة واحدة. وهذا خلاف المعتمد عند المذاهب الأربعة، الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة، حيث رأى الجمهور أن الطلاق يقع بالعدد الذي تلفظ به، فإن قال: أنت طالق بالثلاث، أصبحت منه بائنا، ولا تحل له حتى تتزوج رجلاً غيره، ويطلقها. لكن ابن تيمية قال: «إذا طلقها ثلاثاً بكلمة، أو كلمات في طهر واحد، فلا يقع إلا طلقة واحدة». وامتُحن ابن تيمية بسبب موقفه في مسائل الطلاق، وثار عليه جمع من العلماء، ومُنع من الإفتاء، وأوذي، وسجن.
لكن اليوم.. أصبحت هذه الفتوى لابن تيمية معتمدة في القانون المدني المصري، حيث جاء في المادة (3) من القانون المصري رقم 25 لسنة 1929، المعدل بالقانون 100 لسنة 1985 ما نصه: «الطلاق المقترن بعدد -لفظاً أو إشارة- لا يقع إلا واحدة». مثل ذلك ما ورد أيضاً في مدونة الأسرة المغربية في المادة (92)، وقانون الأحوال الشخصية الأردني المادة (89)، وفي النظام الموحد للأحوال الشخصية لدول مجلس التعاون الخليجي، المادة (85).
ومن المسائل أيضاً: طلاق السكران، حيث المعتمد في المذاهب الأربعة، هو وقوع طلاق السكران، بينما خالف ابن تيمية الجمهور، وقال بعدم وقوع طلاق السكران، «فمن تأمل أصول الشريعة، ومقاصدها تبين له أن هذا القول هو الصواب.. فالصحيح أن الطلاق لا يقع إلا ممن يعلم ما يقول». (مجموع الفتاوى 33/103). وهذا ما اختاره القانون المصري رقم 25 لسنة 1929، والمعدل 1985، وفيه ما نصه: «لا يقع طلاق السكران»، وهو المعتمد أيضاً في القانون العراقي، والمغربي، والأردني، والخليجي.
اللافت أن كثيراً من اختيارات ابن تيمية التي خالف فيها الجمهور، مثل عدم وقوع الطلاق المعلق بقصد اليمين، وعدم وقوع طلاق الغضبان، ووجوب توثيق الرجعة، وغيرها، أصبحت معتمدة اليوم في عدد من القوانين المدنية الحديثة في العالم العربي. (للمزيد، انظر: موافقة قوانين الأحوال الشخصية لاختيارات ابن تيمية، د. مساعد الحقيل، الجمعية القضائية السعودية).
هذه الشواهد تكشف لنا أن إطلاق الأحكام العامة تجاه شخصيات تاريخية قد يعيق بشكل كبير عن فهم تراثها، وتحليله بشكل علمي موضوعي، ويحجب عنا الصورة الكاملة.
لا يعني ذلك أن نغرق في عصره، وسجالات زمانه.. لكن ما دامت تلك الشخصية حاضرة في زماننا بأشكال مختلفة، لماذا لا نتوقف قليلاً، وننحى العواطف والمواقف والمسبقة جانباً، ونتأمل بهدوء.