كتاب ومقالات

صفقة القرن.. خذ وطالب

من زاوية مختلفة

طارق الحميد

فور الكشف عن الخطة الأمريكية للسلام، «صفقة القرن» قال الرئيس الفلسطيني محمود عباس: «يكفي أن الخطة اعتبرت القدس عاصمة لإسرائيل، أما الباقي فهو جديد ومهم، لكن أول القصيدة كُفر».

إذا كان بالمبادرة «جديد ومهم» فلماذا فوت عباس فرصة الوقوف إلى جانب الرئيس الأمريكي، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، ليعلن ترحيبه بالمبادرة، كجهد تنطلق منه المفاوضات، ويعلن استعداده للتفاوض مع التشديد على تحفظاته، وبالتالي يوصل صوت الفلسطينيين للعالم؟ الخاسر من غياب عباس ليس ترمب، ولا نتنياهو، بل الفلسطينيون، وعلى قياداتهم عدم الانخداع بما يقال بالإعلام الأمريكي، من الواشنطن بوست، والنيويورك تايمز، وغيرهم ممن عارضوا المبادرة، لأنهم يعارضون مناكفة لترمب، مثلما عارضوه بمقتل الإرهابي قاسم سليماني. بغياب الفلسطينيين استهدف ترمب، داخليا، أصوات اليهود الأمريكيين، خصوصا أن 75 بالمئة منهم ديموقراطيون. كما جدد الغياب الفلسطيني مقولة إسرائيل بأن لا شريك لهم بعملية السلام، وأعاد نتنياهو، المتهم، إلى إسرائيل كقائد سياسي! هل الاعتراض على مساحة القدس الشرقية؟ كم كانت مساحة القدس ككل عام 1948؟ وكم كانت في 1967؟ وفي 1993؟ وفي 2002؟ وكم هي اليوم في 2020؟ إلى متى الرفض، والتقلص في مساحة القدس، أو القدس الشرقية يزداد؟ هل القضية الأراضي؟ في 2013 أدخلت الجامعة العربية تعديلا على شروط مبادرة السلام العربية التي طرحت عام 2002 بما يسمح بتبادل الأراضي، مما يعني أن هناك مساحة للتفاوض. اللاجئين؟ هناك مساحة للتفاوض أيضا، لكن لماذا لا يفكر الفلسطينيون بشكل مختلف؟ تأمل، مثلا، تأثير صوت الفلسطينيين مستقبلا بالانتخابات الإسرائيلية. وتأمل القوة التي سيمثلها الفلسطينيون بالخارج، مثلا اللوبي اليهودي بأمريكا، وحتى الإيرانيون الذين خرجوا بعد الشاه تحولوا لقوة ضغط لمصلحة إيران بأمريكا، فلماذا لا يتأمل الفلسطينيون أسلوب الإسرائيليين؟ ولماذا يصر الفلسطينيون على مقارنة الخطة بالخيال، وليس مقارنة الخطة بالواقع؟ لا أحد يطالب الرئيس عباس بقبول المبادرة فقط، وإنما المطلوب هو التعقل، والذكاء السياسي، وعلى عباس، ورجاله، تأمل الواقع، وتذكر مقولة الراحل الرئيس الحبيب بورقيبة، ببيروت، 1965، حين دعا الفلسطينيين للأخذ بسياسة «خذ وطالب». قائلا إن سرّ «لا غالب ولا مغلوب»، يعني «تجاوز إطار الغلبة، الذي أنا فيه، والارتفاع إلى نطاق التساوي بعدم غلبة أحدنا للآخر. وعندها، أضمر في نفسي ما يجب أن أضمر من أسباب الكر والفر، واستخدام الدهاء السياسي، وأدرس قوة خصمي، فأوجهها، دولياً، إلى مصلحتي، وعندها، أفوز بمبتغاي»!

إن لم يفعل عباس فذلك هو الخطر الكبير، وهذا موضوعنا غدا، بإذن الله.

* كاتب سعودي