الصهاينة الأتراك.. من عبدالحميد الثاني إلى أردوغان !
الأحد / 09 / جمادى الآخرة / 1441 هـ الاثنين 03 فبراير 2020 00:28
محمد الساعد
في العام 2005 زار إسرائيل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، رئيس الوزراء حينها، حل ضيفا رفيعا على دولة إسرائيل وعلى رئيس الوزراء الإسرائيلي ارييل شارون، لم يكن قد مضى سوى أشهر على قتل محمد الدرة، وأسابيع على اقتحامات دامية ارتكبت في جنين ورام الله، خلال الزيارة ألقى شارون كلمة قال فيها: «نحن سعداء جدا باستضافة أردوغان.. أهلا بك في القدس عاصمة الأمة اليهودية». لقد تعمد شارون القول إن القدس عاصمة إسرائيل، إلا أن أردوغان لم يرد على ذلك، بل أجابه: «إنه من دواعي سرورنا أن نكون مع الشعب اليهودي منذ القرن الخامس عشر وحتى يومنا، لقد تحالف أسلافنا لتحقيق السلام وسنظل متحالفين لتحقيق السلام.. نحن هنا لأسباب تاريخية وآمل أن تنجح مساعينا»، وعقب اللقاء توجه أردوغان لزيارة قبر مؤسس إسرائيل ثيودور هرتزل ووضع إكليلا من الورود عليه.
السؤال: من كان يقصد أردوغان بأسلافه؟ ولماذا زار قبر هرتزل تحديدا، ولماذا منحه ذلك الامتنان والمصداقية؟
الجواب سنجده في مذكرات هرتزل نفسه، التي قال فيها عن علاقته وصداقته وامتنانه لآخر سلاطين الدولة العثمانية عبدالحميد الثاني وأحد أسلاف «أردوغان» ما يلي: «عبدالحميد وعدنا بدولة يهودية مستقلة، مقابل تسديد ديونه»، لقد أسفرت تلك العلاقة والشراكة عن قيام دولة إسرائيل على حساب فلسطين التاريخية، كانت الدولة العثمانية التي وصفت بالرجل المريض في أسوأ حالاتها، خزينتها مفلسة، لم يجد عبدالحميد إلا هرتزل ليتمكن من إنقاذ سلطنته المتهاوية، بادئا مفاوضات ومراسلات سرية بينهما إلى أن توصلا لصيغة عنوانها المال مقابل فلسطين. المفاوضات على بيع فلسطين استمرت 8 أعوام. بدأت العام 1896 وانتهت 1903. تخللتها 5 زيارات لإسطنبول.
ذكر الدكتور حسان علي حلاق في كتابه «موقف الدولة العثمانية من الحركة الصهيونية»، كيف استقبل السلطان عبدالحميد هرتزل بحفاوة بالغة، ووصفه بالصديق المخلص وهو يرجوه إنقاذ دولته من الإفلاس. لقد بنى هرتزل مفاوضاته على حاجة العثمانيين الملحة للمال، وعرض على عبدالحميد 20 مليون جنيه إسترليني، مقسمة على النحو التالي: مليونان ثمنا لأراضي فلسطين، و18 مليونا للخزينة العثمانية، منح على إثرها المهاجرين اليهود امتيازات وتسهيلات استثنائية، عندئذ عاد هرتزل لأوروبا وعقد المؤتمر الصهيوني الأول العام 1897، معلنا أهدافه الصهيونية بإنشاء وطن للشعب اليهودي برعاية عثمانية.
وفي كتابها «دور السلطان عبدالحميد في تسهيل السيطرة الصهيونية على فلسطين» ذكرت فدوى نصيرات أن خطابات الصديقين هرتزل وعبدالحميد استمرت لمتابعة تنفيذ الصفقة، وانضم إليهما القيصر الألماني فيلهلم الثاني حليف السلطان الذي زار الدولة العثمانية لدعم الرجلين. وفي اللقاء الذي عقد في أكتوبر العام 1898 بإسطنبول أظهر فيلهلم الثاني تعاطفا مع التطلعات الصهيونية، وتوصل الثلاثي إلى توطيد علاقات الشراكة حتى ميلاد الوطن الإسرائيلي، وقد تعهد عبدالحميد أمام القيصر بتنفيذ الصفقة في أسرع وقت، ففتح أبواب فلسطين على مصراعيها واستجاب لمطالب المهاجرين بعزل حاكم القدس توفيق باشا، الذي وقف لهم بالمرصاد، وكلف الحاكم الجديد بتوفير الأراضي للمهاجرين، وإلغاء القوانين المكبلة لهم الصادرة العام 1887، فأعفاهم من التأمين ومن اشتراط تحديد الإقامة بـ31 يوما.
عملية شراء الأراضي استخدم فيها اليهود طريقتين، أولا التعامل المباشر مع السماسرة وملاك الأراضي الفلسطينيين الذين لم يمانع كثير منهم في البيع، والأخرى مع الإدارة العثمانية التي منحت الجنسية لعشرات الآلاف من المهاجرين اليهود ما سهل حصولهم على العقارات ونقل ملكيتها باعتبارهم مواطنين عثمانيين، فقاموا بتسجيلها بأسمائهم، لينجح اليهود في شراء 97 قرية فلسطينية بين 1890 - 1900، بلغ ثمنها 7 ملايين فرنك، وليتكفل العثمانيون فيما بعد بإخلائها من سكانها.
كان ما سبق شهادات مؤرخة ومثبتة عن انخراط الكثير من العثمانيين القدامى والجدد بدءاً من السلطان عبدالحميد حتى الرئيس رجب أردوغان في المشروع الصهيوني، لذلك لم يكن من الغريب قيام أردوغان بزيارة قبر «هرتزل»، ليس لأنه مؤسس إسرائيل فقط بل لكونه أنقذ الدولة العثمانية من أن تذوب تماما، إنها صفقة القرن الحقيقية الممتدة لأكثر من 100 عام، وعرفان بالجميل من أردوغان لدولة إسرائيل.
* كاتب سعودي
massaaed@
السؤال: من كان يقصد أردوغان بأسلافه؟ ولماذا زار قبر هرتزل تحديدا، ولماذا منحه ذلك الامتنان والمصداقية؟
الجواب سنجده في مذكرات هرتزل نفسه، التي قال فيها عن علاقته وصداقته وامتنانه لآخر سلاطين الدولة العثمانية عبدالحميد الثاني وأحد أسلاف «أردوغان» ما يلي: «عبدالحميد وعدنا بدولة يهودية مستقلة، مقابل تسديد ديونه»، لقد أسفرت تلك العلاقة والشراكة عن قيام دولة إسرائيل على حساب فلسطين التاريخية، كانت الدولة العثمانية التي وصفت بالرجل المريض في أسوأ حالاتها، خزينتها مفلسة، لم يجد عبدالحميد إلا هرتزل ليتمكن من إنقاذ سلطنته المتهاوية، بادئا مفاوضات ومراسلات سرية بينهما إلى أن توصلا لصيغة عنوانها المال مقابل فلسطين. المفاوضات على بيع فلسطين استمرت 8 أعوام. بدأت العام 1896 وانتهت 1903. تخللتها 5 زيارات لإسطنبول.
ذكر الدكتور حسان علي حلاق في كتابه «موقف الدولة العثمانية من الحركة الصهيونية»، كيف استقبل السلطان عبدالحميد هرتزل بحفاوة بالغة، ووصفه بالصديق المخلص وهو يرجوه إنقاذ دولته من الإفلاس. لقد بنى هرتزل مفاوضاته على حاجة العثمانيين الملحة للمال، وعرض على عبدالحميد 20 مليون جنيه إسترليني، مقسمة على النحو التالي: مليونان ثمنا لأراضي فلسطين، و18 مليونا للخزينة العثمانية، منح على إثرها المهاجرين اليهود امتيازات وتسهيلات استثنائية، عندئذ عاد هرتزل لأوروبا وعقد المؤتمر الصهيوني الأول العام 1897، معلنا أهدافه الصهيونية بإنشاء وطن للشعب اليهودي برعاية عثمانية.
وفي كتابها «دور السلطان عبدالحميد في تسهيل السيطرة الصهيونية على فلسطين» ذكرت فدوى نصيرات أن خطابات الصديقين هرتزل وعبدالحميد استمرت لمتابعة تنفيذ الصفقة، وانضم إليهما القيصر الألماني فيلهلم الثاني حليف السلطان الذي زار الدولة العثمانية لدعم الرجلين. وفي اللقاء الذي عقد في أكتوبر العام 1898 بإسطنبول أظهر فيلهلم الثاني تعاطفا مع التطلعات الصهيونية، وتوصل الثلاثي إلى توطيد علاقات الشراكة حتى ميلاد الوطن الإسرائيلي، وقد تعهد عبدالحميد أمام القيصر بتنفيذ الصفقة في أسرع وقت، ففتح أبواب فلسطين على مصراعيها واستجاب لمطالب المهاجرين بعزل حاكم القدس توفيق باشا، الذي وقف لهم بالمرصاد، وكلف الحاكم الجديد بتوفير الأراضي للمهاجرين، وإلغاء القوانين المكبلة لهم الصادرة العام 1887، فأعفاهم من التأمين ومن اشتراط تحديد الإقامة بـ31 يوما.
عملية شراء الأراضي استخدم فيها اليهود طريقتين، أولا التعامل المباشر مع السماسرة وملاك الأراضي الفلسطينيين الذين لم يمانع كثير منهم في البيع، والأخرى مع الإدارة العثمانية التي منحت الجنسية لعشرات الآلاف من المهاجرين اليهود ما سهل حصولهم على العقارات ونقل ملكيتها باعتبارهم مواطنين عثمانيين، فقاموا بتسجيلها بأسمائهم، لينجح اليهود في شراء 97 قرية فلسطينية بين 1890 - 1900، بلغ ثمنها 7 ملايين فرنك، وليتكفل العثمانيون فيما بعد بإخلائها من سكانها.
كان ما سبق شهادات مؤرخة ومثبتة عن انخراط الكثير من العثمانيين القدامى والجدد بدءاً من السلطان عبدالحميد حتى الرئيس رجب أردوغان في المشروع الصهيوني، لذلك لم يكن من الغريب قيام أردوغان بزيارة قبر «هرتزل»، ليس لأنه مؤسس إسرائيل فقط بل لكونه أنقذ الدولة العثمانية من أن تذوب تماما، إنها صفقة القرن الحقيقية الممتدة لأكثر من 100 عام، وعرفان بالجميل من أردوغان لدولة إسرائيل.
* كاتب سعودي
massaaed@