تعليق إيقاف الخدمات من العدل إلى العدالة
الثلاثاء / 10 / جمادى الآخرة / 1441 هـ الثلاثاء 04 فبراير 2020 02:01
عبداللطيف الضويحي
كلما زادت وتيرة التغيرات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والتقنية، أضحت الحاجة ماسة لمراجعة كثير من المفاهيم التي ألفها المجتمع. وذلك بإيجاد وتوسيع دائرة النقاش وطرح الأسئلة المعمقة حول مفاهيم مثل مفهوم العدالة المنشودة للمصلحة العامة التي تعمل على تحقيقها الأنظمة والمؤسسات العدلية.
العدالة تشبه البيئة، تدخل كل شأن من شؤون الحياة وتتفاعل مع كل فئة من فئات المجتمع من الماء إلى الغذاء ومن المرأة إلى الطفل. من هنا أصبحت العدالة مطلبا جديرا باستدامة النقاش في ذهن المجتمع وفي ذهن المؤسسة العدلية.
العدالة ليست مفهوماً جامداً صامتاً، فالخليفة عمر بن الخطاب عطل حد السرقة في عام الرمادة تحقيقا لمبدأ العدالة، ولا أظن أن مبدأ العدالة معزول عن جملة من العوامل والمتغيرات، ومهما اختلفت الوسائل والإجراءات، تبقى العدالة هدفا وغاية كل مؤسسة عدلية. كما أن العدالة اليوم هي أحد مؤشرات نجاح الفرد واستقرار المجتمعات وتفوق الدول.
لم أتفاجأ بقرار وزير العدل الذي أصدره أخيرا حول تعليق نظام وقف الخدمات، حيث لمست شخصيا وزملائي ذلك منه، وذلك أثناء لقائنا مع الوزير في مقر جمعية كتاب الرأي، ناهيك عن حجم المظلومية المترتبة على نظام وقف الخدمات في كثير من الحالات، وتعدد الخدمات المشمولة به، والمبالغة بعدد الجهات القادرة على استخدام وقف الخدمات، تحت ضغط بعض أصحاب الشكاوى ضد ضحايا معسرين أو شبه معسرين.
ففي ضوء الكثير من المستجدات والتغيرات والتطورات التي تمر بها مجتمعاتنا بشكل متسارع، أرى ضرورة عقد سلسلة من ورش نقاشات لبلورة مفهوم نفسي اجتماعي أخلاقي إنساني وتنموي للعدالة، على أن يشارك بهذا النقاش نخبة من الشرعيين، وعلماء النفس والاجتماع، والمتخصصين بالعلوم الإنسانية، وخبراء التنمية، وهيئة حقوق الإنسان في السعودية.
فالعدالة لا تتحقق من منظور المجني عليه فقط، ولا بإيقاع العقوبة بالجاني (كالسجن) دون مراعاة لمصلحة المجتمع (الخدمة الاجتماعية). مثلما أن إيقاف الخدمات عن المدين لا يحقق مصلحة الدائن، ولا يخدم المجتمع ولا يحقق التنمية.
أتمنى من وزير العدل الدعوة لعقد سلسلة من النقاشات حول بلورة المفهوم العام للعدالة، وعدم ترك قرار إيقاف الخدمات لإداريين لا يدركون البعد الاجتماعي والنفسي التنموي والوطني لتلك القرارات.
فإذا كانت الرؤية 2030 حولت العاطلين والمعطلين إلى طاقة منتجة، فهل يجوز أن يسلط نظام إيقاف الخدمات على رقاب الفئات الضعيفة والجديدة وتحويلها إلى فئة تابعة؟
معالي الوزير إن ما يقدمه الخيرون في هذه البلاد أكبر بكثير من مديونيات الموقوفين في السجون أو المسجونين بنظام إيقاف الخدمات، لكنها الحلقة المفقودة بسبب الجزر الإدارية.
إن التنمية في بلادنا بحاجة لكل مواطن، ولا يمكن أن تضيق بمن هم خلف القضبان، إنما يحتاج الوطن التقنية ليطلق بها طاقات أبنائه وتقليص نسب البطالة، وليس للوطن مصلحة بتعطيل وشل أبنائه والتسبب بتفقيرهم من خلال وقف الخدمات دونما دراسة عميقة ومتعددة الأبعاد، وهذا في ظني ما جعل وزارة العدل تدرك الفرق بين مفهوم العدل ومفهوم العدالة وتتداركه من خلال تعليقها إيقاف الخدمات.
* كاتب سعودي
Dwaihi@agfund.org
العدالة تشبه البيئة، تدخل كل شأن من شؤون الحياة وتتفاعل مع كل فئة من فئات المجتمع من الماء إلى الغذاء ومن المرأة إلى الطفل. من هنا أصبحت العدالة مطلبا جديرا باستدامة النقاش في ذهن المجتمع وفي ذهن المؤسسة العدلية.
العدالة ليست مفهوماً جامداً صامتاً، فالخليفة عمر بن الخطاب عطل حد السرقة في عام الرمادة تحقيقا لمبدأ العدالة، ولا أظن أن مبدأ العدالة معزول عن جملة من العوامل والمتغيرات، ومهما اختلفت الوسائل والإجراءات، تبقى العدالة هدفا وغاية كل مؤسسة عدلية. كما أن العدالة اليوم هي أحد مؤشرات نجاح الفرد واستقرار المجتمعات وتفوق الدول.
لم أتفاجأ بقرار وزير العدل الذي أصدره أخيرا حول تعليق نظام وقف الخدمات، حيث لمست شخصيا وزملائي ذلك منه، وذلك أثناء لقائنا مع الوزير في مقر جمعية كتاب الرأي، ناهيك عن حجم المظلومية المترتبة على نظام وقف الخدمات في كثير من الحالات، وتعدد الخدمات المشمولة به، والمبالغة بعدد الجهات القادرة على استخدام وقف الخدمات، تحت ضغط بعض أصحاب الشكاوى ضد ضحايا معسرين أو شبه معسرين.
ففي ضوء الكثير من المستجدات والتغيرات والتطورات التي تمر بها مجتمعاتنا بشكل متسارع، أرى ضرورة عقد سلسلة من ورش نقاشات لبلورة مفهوم نفسي اجتماعي أخلاقي إنساني وتنموي للعدالة، على أن يشارك بهذا النقاش نخبة من الشرعيين، وعلماء النفس والاجتماع، والمتخصصين بالعلوم الإنسانية، وخبراء التنمية، وهيئة حقوق الإنسان في السعودية.
فالعدالة لا تتحقق من منظور المجني عليه فقط، ولا بإيقاع العقوبة بالجاني (كالسجن) دون مراعاة لمصلحة المجتمع (الخدمة الاجتماعية). مثلما أن إيقاف الخدمات عن المدين لا يحقق مصلحة الدائن، ولا يخدم المجتمع ولا يحقق التنمية.
أتمنى من وزير العدل الدعوة لعقد سلسلة من النقاشات حول بلورة المفهوم العام للعدالة، وعدم ترك قرار إيقاف الخدمات لإداريين لا يدركون البعد الاجتماعي والنفسي التنموي والوطني لتلك القرارات.
فإذا كانت الرؤية 2030 حولت العاطلين والمعطلين إلى طاقة منتجة، فهل يجوز أن يسلط نظام إيقاف الخدمات على رقاب الفئات الضعيفة والجديدة وتحويلها إلى فئة تابعة؟
معالي الوزير إن ما يقدمه الخيرون في هذه البلاد أكبر بكثير من مديونيات الموقوفين في السجون أو المسجونين بنظام إيقاف الخدمات، لكنها الحلقة المفقودة بسبب الجزر الإدارية.
إن التنمية في بلادنا بحاجة لكل مواطن، ولا يمكن أن تضيق بمن هم خلف القضبان، إنما يحتاج الوطن التقنية ليطلق بها طاقات أبنائه وتقليص نسب البطالة، وليس للوطن مصلحة بتعطيل وشل أبنائه والتسبب بتفقيرهم من خلال وقف الخدمات دونما دراسة عميقة ومتعددة الأبعاد، وهذا في ظني ما جعل وزارة العدل تدرك الفرق بين مفهوم العدل ومفهوم العدالة وتتداركه من خلال تعليقها إيقاف الخدمات.
* كاتب سعودي
Dwaihi@agfund.org