كتاب ومقالات

التافهون الجدد..

وفاء الرشيد

أتلاحظون كمية التفاهة التي أصبحنا محاطين بها؟ أتلاحظون عدد الظواهر والشخصيات التافهة الذي أصبحت لا تعد؟ والممتع بالحال أن حتى في التفاهة أصبح هناك تخصصات، فهناك تافه متخصص بالسياسة وتافه متخصص بالبترول وتافهة أخرى متخصصة بالمجتمع وتافه أقرب يعرفه كل واحد منكم لأنه بكل عائلة متخصص بأن ينكد عليكم.. يتبعهم غثاء من ملايين المشاهدين والمتابعين والمبهورين بلا أقل تمييز!

هناك شيء واضح يحدث حوالينا لمن يراقب المشهد عن قرب.. انقلاب جذري في التقييم والقيم وفي المفاهيم التقليدية للفكر والمفكر، والمؤسف أن هناك من يراهن على مثل هذا النموذج كمصدر يتغذى منه للثقافة والمعلومة والتنور.. الواتس أب والسناب تشات وتويتر أصبحت اليوم ثلاثي الثقافة التافهين الجدد، هؤلاء الذين يهيمنون على جيل كامل بالمعلومة الاكسبرس المشوهة ويؤسسون (لتفاهة الثقافة) بشكل جديد يهدد فكر جيل بأكمله، ملايين ينتظرون فيديوهات وتعليمات وتنظيراً وآراء من تافه أو تافهة بكل حماس!

أين ذهب الكبار؟ وهل سيبني هؤلاء ثقافتنا؟ وما هي الضحالة التي تجعل مثل هذه النوعيات تتصدر المشهد، وتجعلهم يعتقدون أنهم أصبحوا مؤثرين وقادة رأي تحرك الجماهير؟ لغة الخطاب التي أصبحت مقتصرة على شتائم بذيئة ودس مبطن وهمز ولمز وترصد! من المؤكد أن هناك مصيبة كبرى تجعل من هذه الأكاذيب والأخبار المفبركة والمضروبة مادة دسمة، شخصيات غريبة وكاريكاتورية حولت علماً وعلوماً إلى مسخ كبير، وحولت المتابعين إلى نسخ مكررة ومشوهة منهم! بعض هذه الشخصيات يحلل ويفتي سياسياً وقد يكون دخل عالم السياسة «على كبر»، وآخر ينظر في الاقتصاد وعلوم الأعمال بعدما تقاعد وجلس ينبش صفحات الجرائد ويقلب قنوات التلفاز يدفعه الملل إلى أن يصبح مفكراً وخبيراً.. شخصيات لم يسبق لهم الاشتراك حتى بجمعية أهلية أو حتى (قطة) عائلية طوال عمرهم.. يتهته ولا يستطيع أن يجمع فكرة سليمة ليستفيد منها الواعي الحصيف.. كوميديا سوداء تخرج كل يوم من أفواههم!

سيقول لي قائل: هل من العدل والموضوعية أن نتهم هذه النماذج بالتفاهة؟ وهل هو ذنبهم أنهم أصبحوا اليوم حزب التافهين الجدد؟ أم هي الظروف والأسباب والبيئة التى أدت إلى نشوء هذه الظواهر الصوتية المؤذية! وهل لو كان هناك مناخ ثقافي رطب ومختلف لظهرت لنا اليوم أجيال أكثر نضوجاً تستطيع أن تواجه هذا الطوفان من الجهل المقنع؟ هو فعلاً سؤال موضوعى وأساسي، وإجابتى عليه أن التقليل من قيمة الحقيقة والصدق والوضوح والإخلاص في مجتمعاتنا ومعاملاتنا اليومية والاحتفال بالفهلوة والشطارة والجهل الملمع و(المهايط)، هو السبب في ظهور وتنامي هذه الطحالب فى المياه الآسنة.

الوعي هو الغاية، والمعرفة هي أساس الوعي.