ناصر الجهني.. عِطرُه ما يزالُ حيّاً (!)
الأحد / 22 / جمادى الآخرة / 1441 هـ الاحد 16 فبراير 2020 01:28
أحمد العبدالقادر
ثماني ساعات فقط هي حصيلة لقائي الوحيد بالدكتور ناصر الجهني، رحمه الله وأكرم مثواه وأسكنه الفردوس الأعلى. كان ذلك قبل أربعة أعوام في رحاب جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية بتنسيق من الزميلين الرائعين صلاح سندي، وعلي مكي.
كان لقاء الدكتور ناصر -الذي قدم رفقة الأستاذ العزيز سعد الخشرمي- حميماً للغاية. لن أنسى كلماته لي وكلمات سعد خلال تلك الزيارة. لقد كان لقاؤه مفصلياً بالنسبة لي. منذ ذلك الحين تغير تفكيري!
لقد كان كلقاء جلال الدين الروميّ بشمس التبريزي.
كنت كالهائم قبل ذلك اللقاء. كنت أشبه بالغريق في بحرٍ من الماديات. كان فيلسوفاً مكيّاً يجلس على الأرض وأنا بجانبه. يخاطبني تماماً كابنه!
ابتسم في وجهي بعد طول شرود وقال: أنت تذكرني بابن أختي. إنه يشبهك كثيراً، تتحدث بذات الطريقة، حتى أنك أعسر مثله تماماً.
فرحت كثيراً بهذه الملاحظة وهذا التشبيه، رغم كراهيتي للمقارنات!
تطورت علاقتنا بعد ذلك. قمت بإضافة حسابه في تويتر، وفعّلت التنبيهات. بعد بضعة أشهر -وحين كنت منهمكاً في زيارة مهمة لأحد الوزراء- وإذ بتنبيهات تويتر لا تتوقف. خشيت جداً أن يكون أحدهم (هشتقني) رغم أن حسابي (غير مؤثر) ولكنها إحدى نِقم تويتر، يفاجئك بكل ما هو غير متوقع.
كان الدكتور ناصر حينذاك قد كتب تغريدة مديح فيّ ربما لا أستحقها. وانهالت عليّ الإضافات وعبارات الثناء ممن أعرف وأجهل. لقد صنع يومي، فنسيت إصابة ركبتي وأنا أعرج ماشياً بين مباني كاوست، حتى أني نسيت الوزير!
في أحد الأيام، وفي تغريدة للدكتور؛ ذكر بأنه يعشق عطراً وقد وضع صورة له. كتبت له وعداً بأن أحضره، وقد تكبدت زوجتي عناء اللحاق بي في أحد المجمعات العملاقة في جدة. كانت في شهرها الخامس، تحاول مواكبة خطواتي وأنا أبحث عن العطر في تلك المتاجر المتناثرة. أخيراً حصلت عليه وابتعت بطاقة كتبت عليها فوراً.
هاتفت الدكتور بعد بضعة أيام فأجاب: أنا ونزيهة في مصر. أهاتفك حين نعود ونتشرف بدعوتكم في منزلنا.
الأستاذة نزيهة التي خصّها في تويتر بالبايو: «زوجتي هي حياتي»، كانت نسخة من الدكتور ناصر. أعتز بمعرفتها كثيراً رغم أن مشيئة الله لم تكتب لي لقاءها.
مضى عام ونصف قبل أن يهديني كتاباً كنتُ قد أبديت إعجابي به. لم تصله زجاجة العطر، وحين عزمت على الإصرار على الدكتور أن يرسل لي عنوانه، كان قد توقف عن التغريد، قبل أن تأتيني رسالة من السيدة نزيهة تخبرني بإصابته بالسرطان. بكيت كثيراً حينها وأنا أحاول الرد. بكيت وأنا أعرفه، لن يستسلم! حاولتُ التخفيف عني قبل زوجته العزيزة. انتهزت فرصة تواجدي في جدة -وقد عدت للعمل في المنطقة الشرقية- واتصلت به. أردت أن أزوره وزجاجة العطر في حقيبتي، ولكنه لم يجب!
رحل الدكتور ناصر وترك لي زجاجة العطر؛ مغلفة وعليها بطاقة مكتوبة بقلم أزرق:
«من (أخو ناصر)
إلى (أخو أحمد)..»
لكنّ عطره ما يزالُ حياً يملأ المكان والزمان بعبقه الفريد الذي لا يموت!
كان لقاء الدكتور ناصر -الذي قدم رفقة الأستاذ العزيز سعد الخشرمي- حميماً للغاية. لن أنسى كلماته لي وكلمات سعد خلال تلك الزيارة. لقد كان لقاؤه مفصلياً بالنسبة لي. منذ ذلك الحين تغير تفكيري!
لقد كان كلقاء جلال الدين الروميّ بشمس التبريزي.
كنت كالهائم قبل ذلك اللقاء. كنت أشبه بالغريق في بحرٍ من الماديات. كان فيلسوفاً مكيّاً يجلس على الأرض وأنا بجانبه. يخاطبني تماماً كابنه!
ابتسم في وجهي بعد طول شرود وقال: أنت تذكرني بابن أختي. إنه يشبهك كثيراً، تتحدث بذات الطريقة، حتى أنك أعسر مثله تماماً.
فرحت كثيراً بهذه الملاحظة وهذا التشبيه، رغم كراهيتي للمقارنات!
تطورت علاقتنا بعد ذلك. قمت بإضافة حسابه في تويتر، وفعّلت التنبيهات. بعد بضعة أشهر -وحين كنت منهمكاً في زيارة مهمة لأحد الوزراء- وإذ بتنبيهات تويتر لا تتوقف. خشيت جداً أن يكون أحدهم (هشتقني) رغم أن حسابي (غير مؤثر) ولكنها إحدى نِقم تويتر، يفاجئك بكل ما هو غير متوقع.
كان الدكتور ناصر حينذاك قد كتب تغريدة مديح فيّ ربما لا أستحقها. وانهالت عليّ الإضافات وعبارات الثناء ممن أعرف وأجهل. لقد صنع يومي، فنسيت إصابة ركبتي وأنا أعرج ماشياً بين مباني كاوست، حتى أني نسيت الوزير!
في أحد الأيام، وفي تغريدة للدكتور؛ ذكر بأنه يعشق عطراً وقد وضع صورة له. كتبت له وعداً بأن أحضره، وقد تكبدت زوجتي عناء اللحاق بي في أحد المجمعات العملاقة في جدة. كانت في شهرها الخامس، تحاول مواكبة خطواتي وأنا أبحث عن العطر في تلك المتاجر المتناثرة. أخيراً حصلت عليه وابتعت بطاقة كتبت عليها فوراً.
هاتفت الدكتور بعد بضعة أيام فأجاب: أنا ونزيهة في مصر. أهاتفك حين نعود ونتشرف بدعوتكم في منزلنا.
الأستاذة نزيهة التي خصّها في تويتر بالبايو: «زوجتي هي حياتي»، كانت نسخة من الدكتور ناصر. أعتز بمعرفتها كثيراً رغم أن مشيئة الله لم تكتب لي لقاءها.
مضى عام ونصف قبل أن يهديني كتاباً كنتُ قد أبديت إعجابي به. لم تصله زجاجة العطر، وحين عزمت على الإصرار على الدكتور أن يرسل لي عنوانه، كان قد توقف عن التغريد، قبل أن تأتيني رسالة من السيدة نزيهة تخبرني بإصابته بالسرطان. بكيت كثيراً حينها وأنا أحاول الرد. بكيت وأنا أعرفه، لن يستسلم! حاولتُ التخفيف عني قبل زوجته العزيزة. انتهزت فرصة تواجدي في جدة -وقد عدت للعمل في المنطقة الشرقية- واتصلت به. أردت أن أزوره وزجاجة العطر في حقيبتي، ولكنه لم يجب!
رحل الدكتور ناصر وترك لي زجاجة العطر؛ مغلفة وعليها بطاقة مكتوبة بقلم أزرق:
«من (أخو ناصر)
إلى (أخو أحمد)..»
لكنّ عطره ما يزالُ حياً يملأ المكان والزمان بعبقه الفريد الذي لا يموت!