حول جريمة تحرش
الجمعة / 27 / جمادى الآخرة / 1441 هـ الجمعة 21 فبراير 2020 01:41
ناصر بن حمد الحنايا
تناول الكاتب محمد الأحيدب في مقالة نشرتها جريدة «عكاظ» في عددها الصادر يوم الأحد 22/ 6/ 1441 الموافق 16/ 2/ 2020م بعنوان (هات عقلانية وحياداً) القضية المتداولة عن المدان بالتحرش بزميلته بقوله لها (هاتي بوسة) وهي القضية التي صدر فيها حكم بمعاقبة المتحرش بغرامة (4) آلاف ريال، وأثارت اهتمام الرأي العام في وسائل الإعلام المحلية ومواقع التواصل الاجتماعي. ومما يلفت النظر في المقالة قول الكاتب نصاً (حسناً نحن أمام نظام مكافحة تحرش منح القاضي خيارات وأمام تسبيب للحكم تطرق لفقرة في النظام تخير بين الغرامة والسجن وأمام متهم نفى كل ادعاءات وتسجيلات وتهم خصمه واعترف بلفظ زل به مازحاً كما يدعي وأمام مدع عام لم يستطع إثبات تهمة اللمس وأن عبارة (هاتي بوسة) لم تتجاوز القول للفعل، وبناء على هذه المعطيات فإن القاضي رأى الأخذ بخيار الغرامة وهو خيار موجود في النظام فما الضير في ذلك) ونركز في هذا الصدد على الآتي:
1- قول الكاتب (.. متهم نفى كل ادعاءات وتسجيلات وتهم خصمه واعترف بلفظ زل به مازحاً كما يدعي).
2- قول الكاتب (... مدع لم يستطع إثبات تهمة اللمس).
3- قول الكاتب (.. إن عبارة «هاتي بوسة» لم تتجاوز القول للفعل).
وفي واقع الأمر فإن حادثة التحرش التي تناولها الكاتب حتى ولو كانت بالقول - حسب اعتراف الجاني - وحتى لو لم يثبت فيها اللمس كما ذكر، تعتبر جريمة تحرش معاقب عليها حسب نظام مكافحة جريمة التحرش، ولا يغير من تكييفها النظامي ولا يقلل من شأنها وخطورتها كونها تمت بالقول فقط. أو كونها لم تتجاوز القول للفعل كما ذكر الكاتب، أو كون المدعي لم يستطع إثبات تهمة اللمس كما أورده الكاتب أيضاً، بل إن ما هو أقل من الفعل ومن القول وهو الإشارة ذات المدلول الجنسي تعتبر حسب النظام ذاته جريمة تحرش يعاقب عليها، فقد تضمنت المادة الأولى منه أن جريمة التحرش في تطبيق أحكام النظام هي كل قول أو فعل أو إشارة ذات مدلول جنسي تصدر من شخص تجاه أي شخص آخر تمس جسده، أو عرضه أو تخدش حياءه بأي وسيلة كانت بما في ذلك وسائل التقنية الحديثة، ويلاحظ هنا في تعريف جريمة التحرش تقديم القول على الفعل.
ومن ناحية أخرى.. فنظراً إلى خطورة جرائم التحرش وأهمية مواجهتها والحد منها وحماية المجني عليه فقد أعطى نظام مكافحة جريمة التحرش من خلال رفع الحد الأعلى للعقوبة مجالاً أرحب لمعاقبة الجاني بعقوبات أكثر إيلاماً وزجراً وردعاً، فجعل الحد الأعلى للسجن سنتين والحد الأعلى للغرامة المالية مائة ألف ريـال، بل وأجاز الجمع في العقوبة بين السجن والغرامة طبقاً لنص المادة السادسة فقرة (1) من النظام، وهو ما يؤكد خطورة جريمة التحرش على الفرد والمجتمع وضرورة مكافحتها.
وفي تصاعد لعقوبة المتحرش فإنه إذا كان فعل التحرش تم في مكان العمل فإن العقوبة حسب الفقرة (د) من (2) من المادة السادسة تكون أشد من العقوبة السابقة، حيث يكون السجن لمدة لا تزيد على خمس سنوات بدلاً من سنتين، مع غرامة مالية لا تزيد على ثلاثمائة ألف ريال بدلاً من مائة ألف ريال أو بإحداهما، وهو ما يعني في واقعة التحرش التي تناولها الكاتب أنه إذا ثبت أن قول الموظف للموظفة (هاتي بوسة) كان في مكان العمل فإنه والحالة هذه يكون من الظروف المشددة للعقوبة وهو ما لم يتطرق له الكاتب، ويضاف إلى ذلك أنه وبحسب الفقرة (ج) من (2) من نفس المادة إذا كان الجاني له سلطة مباشرة أو غير مباشرة على المجني عليه فإن ذلك أيضاً من ظروف تشديد عقوبة جريمة التحرش وهو ما لم يشر له الكاتب أيضاً، وقد جاءت هذه الأحكام متسقة مع مقاصد وأهداف نظام مكافحة جريمة التحرش التي بينتها المادة الثانية منه بالنص على أن هذا النظام يهدف إلى مكافحة جريمة التحرش والحيلولة دون وقوعها وتطبيق العقوبة على مرتكبيها وحماية المجني عليه، وذلك صيانة لخصوصية الفرد وكرامته وحريته الشخصية التي كفلتها الشريعة الإسلامية والأنظمة.
وفي إطار هذه المقاصد والأهداف أوجب النظام في الفقرتين (2، 3) من المادة الخامسة منه على الجهات المعنية في القطاع الحكومي والقطاع الأهلي مساءلة أي من منسوبيها ـــ تأديبياً ــ في حالة مخالفته لأحكام النظام، كما نصت على عدم إخلال تلك المساءلة التأديبية بحق المجني عليه في التقدم بشكوى أمام الجهات المختصة.
وخلاصة القول في هذا الشأن أن نظام مكافحة جريمة التحرش لم يفرق بين الفعل أو القول أو الإشارة في قيام جريمة التحرش وتمامها، وأبان مقاصد وأهداف النظام وهي التي تمت الإشارة إليها فيما سبق، وهي أهداف سامية حري بالجميع الامتثال لها والعمل على تحقيقها كل في مجاله وحسب الأطر النظامية وعدم التقليل من جرائم التحرش المعاقب عليها نظاماً. وقد جاء تصريح المتحدث الرسمي لوزارة العدل بشأن قضية التحرش التي تناولها الكاتب والصادر على الجاني فيها حكم ابتدائي بغرامة (4) آلاف ريال متسقا مع أحكام نظام مكافحة جريمة التحرش سواء ما يتعلق منها بالمقاصد والأهداف أو ما يتعلق بجريمة التحرش والظروف المشددة، حيث أوضح المتحدث أنه لم يصدر بتلك القضية حكم نهائي وأن الأحكام القضائية بشكل عام حازمة في قضايا التحرش وأن القضاء في المملكة العربية السعودية يواجه مثل هذه الجرائم بما يناسبها مع الأخذ في الاعتبار ظروف كل قضية من حيث أسبابها وحيثياتها.
* كاتب سعودي
n.h.hanaya@hotmail.com
1- قول الكاتب (.. متهم نفى كل ادعاءات وتسجيلات وتهم خصمه واعترف بلفظ زل به مازحاً كما يدعي).
2- قول الكاتب (... مدع لم يستطع إثبات تهمة اللمس).
3- قول الكاتب (.. إن عبارة «هاتي بوسة» لم تتجاوز القول للفعل).
وفي واقع الأمر فإن حادثة التحرش التي تناولها الكاتب حتى ولو كانت بالقول - حسب اعتراف الجاني - وحتى لو لم يثبت فيها اللمس كما ذكر، تعتبر جريمة تحرش معاقب عليها حسب نظام مكافحة جريمة التحرش، ولا يغير من تكييفها النظامي ولا يقلل من شأنها وخطورتها كونها تمت بالقول فقط. أو كونها لم تتجاوز القول للفعل كما ذكر الكاتب، أو كون المدعي لم يستطع إثبات تهمة اللمس كما أورده الكاتب أيضاً، بل إن ما هو أقل من الفعل ومن القول وهو الإشارة ذات المدلول الجنسي تعتبر حسب النظام ذاته جريمة تحرش يعاقب عليها، فقد تضمنت المادة الأولى منه أن جريمة التحرش في تطبيق أحكام النظام هي كل قول أو فعل أو إشارة ذات مدلول جنسي تصدر من شخص تجاه أي شخص آخر تمس جسده، أو عرضه أو تخدش حياءه بأي وسيلة كانت بما في ذلك وسائل التقنية الحديثة، ويلاحظ هنا في تعريف جريمة التحرش تقديم القول على الفعل.
ومن ناحية أخرى.. فنظراً إلى خطورة جرائم التحرش وأهمية مواجهتها والحد منها وحماية المجني عليه فقد أعطى نظام مكافحة جريمة التحرش من خلال رفع الحد الأعلى للعقوبة مجالاً أرحب لمعاقبة الجاني بعقوبات أكثر إيلاماً وزجراً وردعاً، فجعل الحد الأعلى للسجن سنتين والحد الأعلى للغرامة المالية مائة ألف ريـال، بل وأجاز الجمع في العقوبة بين السجن والغرامة طبقاً لنص المادة السادسة فقرة (1) من النظام، وهو ما يؤكد خطورة جريمة التحرش على الفرد والمجتمع وضرورة مكافحتها.
وفي تصاعد لعقوبة المتحرش فإنه إذا كان فعل التحرش تم في مكان العمل فإن العقوبة حسب الفقرة (د) من (2) من المادة السادسة تكون أشد من العقوبة السابقة، حيث يكون السجن لمدة لا تزيد على خمس سنوات بدلاً من سنتين، مع غرامة مالية لا تزيد على ثلاثمائة ألف ريال بدلاً من مائة ألف ريال أو بإحداهما، وهو ما يعني في واقعة التحرش التي تناولها الكاتب أنه إذا ثبت أن قول الموظف للموظفة (هاتي بوسة) كان في مكان العمل فإنه والحالة هذه يكون من الظروف المشددة للعقوبة وهو ما لم يتطرق له الكاتب، ويضاف إلى ذلك أنه وبحسب الفقرة (ج) من (2) من نفس المادة إذا كان الجاني له سلطة مباشرة أو غير مباشرة على المجني عليه فإن ذلك أيضاً من ظروف تشديد عقوبة جريمة التحرش وهو ما لم يشر له الكاتب أيضاً، وقد جاءت هذه الأحكام متسقة مع مقاصد وأهداف نظام مكافحة جريمة التحرش التي بينتها المادة الثانية منه بالنص على أن هذا النظام يهدف إلى مكافحة جريمة التحرش والحيلولة دون وقوعها وتطبيق العقوبة على مرتكبيها وحماية المجني عليه، وذلك صيانة لخصوصية الفرد وكرامته وحريته الشخصية التي كفلتها الشريعة الإسلامية والأنظمة.
وفي إطار هذه المقاصد والأهداف أوجب النظام في الفقرتين (2، 3) من المادة الخامسة منه على الجهات المعنية في القطاع الحكومي والقطاع الأهلي مساءلة أي من منسوبيها ـــ تأديبياً ــ في حالة مخالفته لأحكام النظام، كما نصت على عدم إخلال تلك المساءلة التأديبية بحق المجني عليه في التقدم بشكوى أمام الجهات المختصة.
وخلاصة القول في هذا الشأن أن نظام مكافحة جريمة التحرش لم يفرق بين الفعل أو القول أو الإشارة في قيام جريمة التحرش وتمامها، وأبان مقاصد وأهداف النظام وهي التي تمت الإشارة إليها فيما سبق، وهي أهداف سامية حري بالجميع الامتثال لها والعمل على تحقيقها كل في مجاله وحسب الأطر النظامية وعدم التقليل من جرائم التحرش المعاقب عليها نظاماً. وقد جاء تصريح المتحدث الرسمي لوزارة العدل بشأن قضية التحرش التي تناولها الكاتب والصادر على الجاني فيها حكم ابتدائي بغرامة (4) آلاف ريال متسقا مع أحكام نظام مكافحة جريمة التحرش سواء ما يتعلق منها بالمقاصد والأهداف أو ما يتعلق بجريمة التحرش والظروف المشددة، حيث أوضح المتحدث أنه لم يصدر بتلك القضية حكم نهائي وأن الأحكام القضائية بشكل عام حازمة في قضايا التحرش وأن القضاء في المملكة العربية السعودية يواجه مثل هذه الجرائم بما يناسبها مع الأخذ في الاعتبار ظروف كل قضية من حيث أسبابها وحيثياتها.
* كاتب سعودي
n.h.hanaya@hotmail.com