ثقافة وفن

شجرة عالقة في منتصف الطريق

زكي الصدير

زكي الصدير

بيني وبينكِ

قارتانِ، لغةٌ واحدةٌ، حربٌ، ومعطفٌ بارد.

كلّما أشعلنا سيجارةً لنطفئَ المسافةَ

اختلّ حرفٌ على خارطتِنا.

لم نتهجَّ اسمينا كما ينبغي لغريبَيْن،

لم نفرغْ كؤوسَنا كما يفعلُ اللّيل في السكارى،

لم نوقظْ نجمةَ سهيل، ولا الشعرى اليمانيّة.

كنّا نمنحُ إلى الآخرين فرصةَ العبورِ الأخيرِ

دونَ أن نمتحَ الماءَ عن وجه الشمس.

بيني وبينكِ، في الحرب الأبدية:

نحصى القتلى،

نضعُ النياشينَ على سيرتِهم،

نفرّق بالعلامات بينَ شواهدِ القبورِ؛ قبرٌ لهم، قبرٌ لنا.

في الحرب، بيني وبينكِ:

شمسٌ ستبتلعنا ذات يوم.

بيني وبينك

جسدٌ يضيق على دمي،

يهجس بالجدران، الأطفال، والدمى..

يفترضُ:

أن الموتَ وهمُ الأبدية،

أن اليدَ التي أيقظته ستأخذه إلى الهاوية،

أن روحه متاهةٌ غادرة،

وأنه على ما يرام

لولا أنّ صوتَ الحربِ تتسلّق نافذته.

بيني وبينك

سوقٌ سوداء ما زالتْ تدّخرُ حناجِرَنا،

سراً، نوزّع السُّكَّرَ على رصيفِ القتلى،

نباغتُ الدَّركَ بعشبٍ جديدٍ

كلّما أيقنوا أن واحاتِنا غطّاها الملح،

نعيشُ نكايةً بهم.

ربما ليس من حقي أن أسرق شجرةً عالقةً في منتصف الطريق

لكن من حقّ العصافير أن تسكنها

من حقّ أولادها أن: تستوطن الشارع

حفدتها أن: تشخبط على الرصيف؛ علامات وإشارات

أن ترسم على الجدران: تاريخ أسلافها الذين أيقظوا الشجرة.