كتاب ومقالات

زوجوا على مذهب أبي حنيفة وحاسبوا العاضل

وفاء الرشيد

لفقه الإمام أبي حنيفة النعمان في الزواج فهم خاص في شأن تزويج المرأة، ولكنه برأيي أكثر إنصافاً لها وأكثر إنسانية بحيث يجيز لها الحق بتزويج نفسها وإنشاء العقد بلا ولي من أب أو وصي، وهو اعتراف وانتصار للمرأة يثبت كامل أهليتها، فكيف يكون لها الأهلية لإنشاء كافة العقود أمام القضاء وذمة مالية مستقلة تبيع وتشتري ولا يكون لها الأهلية لإنشاء عقد نكاحها؟

«زوجتُكَ موكلتي»! هذه عبارة مفصلية وبها دقة فقهية رائعة لو تمعناها! فلمَ الوكالة؟ الوكالة لا تكون إلا عن حق ثبت للأصيل! والأصيل هنا المرأة! وعندما أثبتنا أنها تملك هذا الأصل ومنه ستملك أن توكل عليه... وعندما فتح هذا النقاش بين العلماء لمدى شرعية الخروج عن مذهب لمذهب أجابوا بأنه يجوز، فالشريعة فيها من المرونة والسعة ما يكفينا، لأن دين الله قائم على مبدأ التيسير على الناس وتسهيل حياتهم، ولم يسجل التاريخ الإسلامي أن مذهباً من المذاهب الفقهية الأربعة قد ألزم الناس بأن يأخذوا منه فقط ولا يخرجوا عنه! فكل المدارس الفقهية هي مدارس ومنابر للاجتهاد تترك للإنسان المراوحة بين فتوى وفتوى طالما هي في إطار القضاء والشريعة الإسلامية.

النظام القانوني في الأحوال الشخصية هو مطلب جوهري في المرحلة القادمة حتى نتساوى جميعاً أمام القضاء في الأحكام والحقوق، وحتى لا يكون الحكم قائماً على اجتهاد شخصي... فوجود نص قانوني صادر من سلطة تشريعية يلزم جميع القضاة بأن يسيروا في هذا الفلك بخط ثابت، وأن لا تتصدر قضية مثل عضل المرأة المشهد الحقوقي لدولة تتجه بأقدام ثابتة نحو الريادة بين الدول المتقدمة برؤية حضارية عالمية هي 2030...

العضل من أخطر الانتهاكات التي تمارس ضد المرأة اليوم والضحايا كثيرات، والطامة الكبرى أننا لا نحاسب العاضل على عضله..! الأسوار اليوم تخفي أرقاماً مخيفة عن العضل لأسباب قبلية ومالية واجتماعية وأخرى مخجلة، مسكوت عن آلاف القصص ومئات الدعاوى، والسواد الأعظم من المحامين والقضاة يتحرجون من الحديث عنها.

«تسرق مني ألفاً أو ألفين، ولكن من يعطيك الحق بأن تسرق مني حياتي وعمراً يمضي ولا يعود» جريمة إنسانية متكاملة بلا محاسبة لهذا العاضل وبلا تقنين لضوابط هذه الأحكام...

هناك اليوم حراك ومبادرة اجتماعية محمودة أطلقها المحامي عبدالرحمن اللاحم اسمها #لا تعضلها، وهي مبادرة تهدف لتشجيع المحامين للتصدي للعضل بأن يتكفلوا بالدفاع عن المعضولات مجاناً، حيث كانت قضية «عروس عنيزة» التي عضلها أخوها سنوات ناقوس خطر دق حتى جاء من ينصفها أمام القضاء... ولو نُصبت بالمحاكم كاميرات مراقبة لرصد ما يحدث داخلها لوجدنا أن العدالة الناجزة في أمور الأحوال الشخصية وخصوصاً بما يخص المرأة ما زالت بعيدة المنال.

تسوق وتسافر وتعمل وتشتري وتبيع وتعول أبناء وتربي أجيالاً وتفتح بيوتاً، وتوكل، وتقف أمام محاكم، وتترافع وتسجن، وتبرأ وتعمل سفيرة وبمرتبة وزير، وتقف بمجلس الشورى تتحدث باسمنا وتمثلنا بمؤسسات دولية ومؤتمرات عالمية، ولكنها تعجز من أن تزوج نفسها؟ بأي منطق تنطقون؟

حددوا المقاصد الشرعية وأعيدوا الهيكلة الفقهية التي يستند عليها القضاء... فالبيوت تئن.. وانتهى.