لمن تقرع الأجراس؟

أسماء الزهراني

تواجهنا الصحف كل يوم بالعديد من الموضوعات التي تتناول أوضاع المجتمع، ومشكلاته، وهي تحفل بمعالجات عميقة لما تتناوله. لكنها تظل معالجات فردية لا يمكن أن تؤتي ثمارها إلا بالصدفة، حين يصدف أن يطلع مسؤول ويتأثر بما يقرأ. الإعلام إذن ليس الوسيلة الفعالة في عالمنا العربي للتعامل مع أزمات المجتمع، لأننا لا نمتلك قاعدة متينة لما يسمى بالرأي العام في مناطق أخرى من العالم. وحتى الإعلام المرئي، الذي يمتلك القاعدة الجماهيرية الأوسع، نجده منقسما على جهتين، فالإعلام الرسمي الحكومي يكاد يكون مسخرا لخدمة روتين طويل المدى، لا تلوح في الأفق أية بارقة أمل لنهايته، وأية محاولة للخروج على هذا الروتين تكون نهايتها الفشل المحتوم. أما الإعلام غير الرسمي فتستولي عليه الأغراض الاستثمارية البحتة، التي لا تتوافر فيها أدنى مساحة لنوازع وطنية منشؤها الانتماء. وهي على النقيض من ذلك تهدر في طريقها للكسب المفرط كل قيمة محتملة، وعلى سبيل المثال، متابعة لحلقة من حلقات المسلسلات التركية التي تعرض بالجملة تعطي هذه النتيجة، فأنت ستفشل في إيجاد أية قيمة فنية ولو مجهرية خلف كل ذلك الهدر البشع للأخلاق. أبطال ذوو تاريخ مشوه، يعرضون حاضرا شائها من مرحلة يعاني فيها المجتمع التركي من آثار الاندماج في أوروبا اندماجا مشروطا بخلفيات ثقافية مفروضة بقوة على المجتمع التركي. وللسبب نفسه يجري تداول تجاري بين تركيا وشقيقاتها الدول المسلمة ضمن سياق سياحة مشروطة بما تحمله من خلفيات وقيم ثقافية يتم فرضها على مجتمعنا بقوة الصورة.
إثر مقالين كتبتهما عن الصحة النفسية وما يرتبط بها من مجالات الطب النفسي والعلاج السلوكي، وغيرها، تفاعل مع ما كتبت مجموعة كبيرة من المختصين والمهتمين، مما يعطي مؤشرا لعمق القضية وامتداد آثارها. وكنت نشرت ما كتبه الدكتور إبراهيم العمري، وتلقيت عددا من الرسائل منها رسالة من مجموعة أطباء من مستشفى الصحة النفسية بالطائف، توضح أهمية التفريق بين فروع دقيقة ضمن المجال، يكون الخلط بينها عادة سببا في عجز العلاج عن أداء مفعوله. وهي رسالة مهمة في موضوعنا السابق، لكن هناك من أثار نقطة هامة جدا، هي أن كل ما نكتبه ونثير حوله الاستفهامات لا يصل لمن بيده الحل والعقد، ومن جهة ثانية لا يصل للشريحة المستهدفة من المجتمع، ومن ثم لا يؤتي المراد من الأثر. كيف نصل إلى شقي التغيير المجتمعي الفاعل؟ للتأثير العملي والحقيقي في وعي المجتمع؟ هذا هو ما يجب أن نفكر فيه، ونعطيه الأولوية من مهمات المختصين في جهات مختلفة. علماء الاجتماع، باحثو علم النفس الاجتماعي، الباحثون في وسائل الاتصال وتقنيات الإعلان، والتأثير على الجمهور، والجامعات التي ينبغي أن تخصص كراسي للأبحاث حول هذا الموضوع. فتحت شعار التنمية المستدامة يعمل الجميع الآن، ويقدمون أعمالهم، لكنهم يهملون الخلية التي يقوم عليها البناء المنشود للمجتمع، المواطن، وعيه بقضاياه، كيف يمكن الوصول لهذا الوعي، لنقاط التأثر الحساسة فيه. إقناع المواطن بدوره، وتوعيته بامتدادات هذا الدور وأبعاده الاجتماعية والوطنية هي قاعدة التنمية المستدامة، توعيته بأن إخلاصه في مهامه استثمار مضمون بعيد المدى له ولأبنائه من بعده، دعوة لجميع المختصين والخبراء في هذا الموضوع للكتابة والسعي في تفعيل خبراتهم، لأن الإعلام المنشغل بالبيروقراطية أو نظيره المحموم بالكسب السريع لن يسعى إليكم أيها المخلصون، فبادروا وتفاءلوا بأحلام المواطن البسيط الكادح وعزمه على صنع مستقبل مشرق لأبنائه.

asma@alzahrani.com


للتواصل ارسل رسالة نصية sms إلى الرقم 88548 تبدأ بالرمز 103 مسافة ثم الرسالة