كتاب ومقالات

يُدرك باللطف ما لا يُدرك بالعنف!

نجيب يماني

أجد من الضروري التأكيد على رفض أي مظهر من مظاهر الخروج على ثوابت المجتمع وقيمه الأخلاقية المرعية، من نبعها الإسلامي الصافي قبل أن تشوهها تدخلات البعض وافتراءاته، مهما كانت المبررات، وعلى أي صيغة جاءت الأعذار، فهذا مما لا تهاون فيه، ولا استرخاء في مواجهته بما يقتضيه من أساليب المعالجة والإصلاح..

ومنطلقاً من هذه القناعة الراسخة؛ فإني أستنكر وبشدة ما برز على سطح المجتمع مؤخراً من مظاهر اللبس غير اللائق في الأماكن العامة، وتسجيل بعض حالات التحرّش من الجنسين، وبعض التجاوزات الخاطئة والتي نطالعها من وقت لآخر، وبخاصة في وسط الشباب، وهذا الاستنكار يصحبه في الوقت نفسه أمل ورجاء بالذهاب بعيداً في استقصاء الأسباب، واستكناه الدواعي بوعي وبصيرة، بما يمكّن الجميع من وضع الحلول الناجعة، متجنبين ما أمكن المعالجات السطحية التي تستهدف الناتج العرضي، وتغفل عن المسبب الحقيقي..

إن من المهم إدراك أن الانفتاح المجتمعي الذي تشهده ساحتنا اليوم ولله الحمد يأتي في أعقاب فترة كالحة شديدة السواد، اشتد فيها النكير على الناس في عاداتهم وتقاليدهم وما تعارفوا عليه حتى ضاقت فيها دوائر المباح، واستطالت فيها قوائم المنع والتحريم بغير مسوغ شرعي، أو سند قانوني وتسيدت الزمان والمكان وكانت هي لسان الحال، فقد عشنا ردحاً من (زمن الغفلة) استغلظ فيه خطاب جماعة من الناس، تسلطوا علينا باطلاً وسيطروا على مفاصل المجتمع ظلماً بخطاب يعبّر عن شهواتهم الخاصة، وأجنداتهم الشخصية، فكان الواحد فيهم يجمع السلطات الثلاث في وقت واحد، فهو المشرّع للنص، والحاكم بالقضاء، والمنفّذ للعقاب.. يحدث ذلك في الأسواق، والأماكن العامة، وأمام جمهرة الناس، في مشهد لم يخلّف إلا حالة من الاحتقان، ورغبة دفينة في الخلاص من تلك الحالة التي أخرجت مجتمعنا من الحياة الطبيعية، وسجنته في (قمقم الصحوة) إلى أن جاء الخلاص حاسماً حازماً وانفرجت أسارير المجتمع ليعيش حياة طبيعية (لا صحوة فيها) ولا عنترة، وعرف الجميع طريق الحياة السويّة، ليعود إلى ما كان عليه قبل تلك الفترة الزمنية الكالحة في كل شيء.. ولمّا كان لكل فعل ردّ فعل مساوٍ له في المقدار ومخالف له في الاتجاه بحسب منطوق النظرة الديناميكية، فقد جاء رد فعل بعض الفتيات والفتيان متجاوزاً للأعراف، ومتعاملاً مع الحرية المتاحة بروح تغفل عنها المسؤولية المرجوّة، والتقدير المنتظر، وهو أمر يمكن أن يُقبل نظرياً على اعتبار أنه رد فعل طبيعي لما أشرنا إليه من سابق التضييق، وطويل الحرمان، لكن بالمقابل فإنه يمس جوهر القيم التي يجب أن تُرعى، والمُثل التي من المهم أن تُصان، ولا سبيل إلى تحقيق ذلك إلا بتضافر الجهود، وأوّل ما يكون ذلك من الأسر نفسها، فهي المسؤولة عن تأكيد حق أفرادها في الاستمتاع بما أُتيح لهم من نوافذ الترفيه البريء، وفق الأصول المرعية، والثوابت التي لا تقبل خرماً أو ثقوباً، كما أن على الجهات ذات الصلة بمسؤولية حفظ ثوابت المجتمع دوراً متعاظماً في توجيه هذه الفئة من المجتمع بالرفق واللين، ومراعاة ما يتعلق بفترة المراهقة من نوازع الرعونة، ومحفّزات التمرد والخروج على الثابت والمرعي، وهنا لا بد من مشاركة الاختصاصيين النفسيين، وعلماء الاجتماع ولا نغفل دور التربية والتعليم في رسم الإطار السليم في التعامل مع مثل هذه الحالات، حتى يتجاوز مجتمعنا فترة الانتقال الحالية من حالة الكبت والتضييق التي كان عليها، إلى براح الانفتاح والحياة الطبيعية بسلاسة ويُسر. وِفق الأُطُر الشرعية الصحيحة التي زاوجت بين الواقع الحياتي والواجب الديني المتسامح.

* كاتب سعودي

nyamanie@hotmail.com