كتاب ومقالات

ربط المعدة أم ضبط السلوك ؟

بالسكين

علي بن محمد الرباعي

اشتهر أرباب الأوزان الثقيلة بخفة الظل، ومنهم الشاعر الراحل صلاح جاهين. إلا أن جاهين اضطر يوماً للتخلي عن نصف وزنه القريب من مائة وخمسين كيلوغراما من خلال عملية أجراها في باريس. روى بعض أصدقائه أنهم كانوا يزورونه إثر عودته من فرنسا فكان يبكي عندما يشاهدهم، فيسألونه: تبكي ليه؟ فيجيب: «نصفي الحلو راح». ربط المعدة غدا ظاهرة مترتبة على ضعف ثقافة الأكل في مجتمعنا، والاستخفاف بكل ما من شأنه حماية الصحة العامة من الضرر والأمراض.

أخذنا راحتنا في اللقم من كل طعام، واستشعرنا خطر الجوع مع كل وجبة نتناولها وكأنها آخر وجبة، وخالفنا السنة الناهية عن الشبع، فاندلقت أمامنا كروشنا، واستثقلنا أجسامنا، وعجزنا عن التصدي للشهية المفتوحة على ما لذ وطاب فاخترنا أسهل الحلول، إما ربط أو قص أو تحويل المعدة.

ربما كانت المعدة الضحية الوحيدة من أعضاء الجسم التي طاولها التحجيم، ولكن بعضنا مع شديد الأسف لم يفكّر ولو للحظات في اندلاق مشاعره بالحب المتهور تارة، وبالكراهية الصارمة تارات، ولم نسأل أنفسنا كم عضو من أعضائنا في حاجة إلى تكميم، وهل المعدة أخطر من السمع ومن النظر؟ كم من أُذن تحتاج إلى إغلاق، وكم من عين تفتقر إلى غض، ليمكننا تجاوز الفضول والتطفل على خصوصيات الآخرين، وكم تحركت بنا أقدامنا لمشوار رتّبنا فيه أنفسنا لإساءة أو أذى أو اتهام بزور وإشاعة بهتان؟ كم لمست أيدينا وامتدت على ما ليس لنا بحق، كم نالت ألسنتنا من عفة أعراض وحصانة أقارب وأباعد تحت مظلة سوء ظن أو سوء تعبير؟

الخطأ والذنب ليس ذنب عضو أو حاسة تضيق وتتسع وتمتلئ وتتخم بحسب هوى ورغبة حاملها، بل الخطأ سلوكي وأخلاقي، يحتاج معه إلى تعديل وتقويم، وتعزيز ثقافة حفظ البطن وما حوى والرأس وما وعى، فالثقافة ممارسة أخلاقية ناجمة عن فهم الإنسان لنفسه وللعالم حوله.

العلاقة بالعالم لغوية، إلا أن الوعي باللغة يحيلها إلى صورة. هي حياتك، أخلاقك، سلوكك، سؤال بريء: كم من أعضاء غير المعدة تحتاج لربط وتكميم لكي تصح أخلاقنا كما صحت أبداننا؟