كتاب ومقالات

الإمارة الحية في سواد الليل

عبده خال

ربما يكون هذا العنوان شاعرياً، ولأنه كذلك سوف انساق مع شاعرية الوجود عندما ينمو متخلصاً من قوى الأنياب المفترسة لسرب القطا.

ليس ادعاء القول إن الفنون والآداب مجففة للكراهية وباسطة أرضاً سهلة الوطء ومتناسقة لزراعة التسامح بين المختلفين، ولأن الفنون كانت البوابة الأولى للبشر في خلق لغة تعبيرية منسجمة مع وداعة الناس، وهي سلم الارتقاء، إلاّ أن خروج غول الوحشية من الغابات أسس لمفهوم القوة الغاشمة الساعية للدمار، ومع خروج تلك اللغة من أدغال النفس المظلمة استمرت سعياً للسيطرة على مناحي الحياة وجمالياتها..

- كيف يمكن لك النهوض بالقوى الناعمة في مواجهة الخراب؟

هذا ما فعلته إمارة الفجيرة إجابةً عن سؤال صاحب كل الثورات العربية:

- أين هي الفنون من خطاب الكراهية؟

سنوات جافة اجتاحت الدول العربية رُفعت بها أجراس الأيديولوجية البغيضة المحرضة على تحريم الفنون كخطوة أولى لتصحير الإنسان من الجماليات الفنية التي تتناغم مع الفطرة بأن يكون الإنسان بناء للوجود.. ففكرة الفناء والزهد من الدنيا والتسريع بالموت هي النقيض لعمارة الأرض وإنماء كل ما هو قابل في إبقاء الأرواح خضراء تسقى من معين الفن..

وبين الفناء وجماليات الحياة طرفان: قاتل ومحيي!

قتلنا أجساداً ووطئنا بأيدي وأصوات زعماء الموت، ومهدوا لقتلنا بقتل الفنون أولاً حتى إذا توغلوا في أنفس الناس باسم الدين كانت الصدور قد غدت ضيقة لا تتسامح مع بروق جمال الفن المتلألئة في السماء..

في تلك الحملة الداعية للكراهية انتشر فايروس الحروب، فشمل المراكز الثقافية العربية وتحت أنقاض سقوط تلك الدول غابت قوة الفنون والآداب عن دورها التنويري مستسلمة للدمار الذي لحق بدعائم الدول (وليس الأنظمة) هي الآن تترنح من قوة الزلازل، ومازلنا في مرحلة التشافي، التشافي من كل شيء، في فترة النقاهة هذه كانت إمارة الفجيرة تحتفي بمهرجانها الدولي للفنون، عشرة أيام استدعت فيها جميع الفنون من جميع أماكن المعمورة، في ذلك المهرجان اجتمعت القوى الناعمة من كل فج (وثمة تناسٍ لماضي الدمار القريب) من أجل صياغة جمل فنية تندد بالكراهية وتسمو بالفن كوسيلة وحيدة لاظهار جمال الحياة، الواقع يعلن انتصار المحيي على القاتل!