كتاب ومقالات

«الوفرة» في ساعة الصفر

دام

هاشم داغستاني

في ذات اللحظة، تولد نفس وتموت نفس، كالبندول، يرقص بتوازن تحت سيطرة الجاذبية، قوة واحدة يتحرك في محورها قراران. هذه الأرض كبيرة للغاية تسع الجميع، عداد الميلاد فيها ثائر لا يتوقف، كأننا جزء من تركيبة ساعة ضخمة ثوانيها لا تنقطع. الماء، الهواء، الغابات والمحيطات، كل شيء في ظننا لا ينتهي وكل شيء متدفق لا ينحسر.

مفهوم الوفرة يسيطر على السلوك، يُفقد الإنسان القدرة على القياس والشعور بقيمة التفاصيل الصغيرة حوله، تسيطر عليه مفاهيم مختلطة كالأحقية والأنانية، وتتشرب عقليته الاعتقاد أن كل ما هو مباح مستباح بالكلية. تعاني الأرض كثيراً من هذه العقلية الاستهلاكية، مخلفات تفوق قدراتها الاستيعابية، مادية تلتهم كل الموارد الحالية وصنبور ماء لا يغلق من أجل إشباع ساعات من المتعة العابرة.

كل تلك الرسائل التسويقية الرأسمالية والتي تدعو إلى «اللامحدودية» في الخدمات والمنتجات، تشوه النظام الكوني وتغذي العقول بما هو فوق الحاجة من أجل تعظيم العوائد والربحية.

صرنا نأكل البلاستيك ونستمتع بالكيماويات وننزع الحقوق من الكائنات حولنا من أجل شطيرة لحم أو كأس عصير. أصبحنا نستهلك المعاني، الصور والعلاقات وكل ما يمكن استهلاكه من أجل إشباع قيمة معرّفة أو غير معرّفة للفرد،‬ لا يعطينا الحق أننا نملك قيمة فاتورة كهرباء وماء، أن نستهلك أكثر دون اعتبار للأثر السلبي التراكمي الذي يسببه أفراد مجتمع ما بيئياً، اقتصادياً واجتماعياً. فالوعي وحس المسؤولية نحو المحيط هي المعايير التي تضع الإنسان ضمن خارطة التغيير والتوازن المطلوب.

تخيل أن ما يقرب من مليار إنسان حول العالم ليس لديهم مياه شرب نظيفة! بحسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية.. نحن نعيش حالة تناقض بين غريقين، مجتمع غارق في الأمراض والفقر المدقع وآخر غارق في الكماليات يستنزف كل الموارد الممكنة. هذا الاختلال في التوزيع العادل للموارد ينتج مجتمعات مشوهة ويترك لنا أرضاً تعاني وتحتضر. أنت جزء من كل، وسلوكك الفردي يؤثر قطعاً على المحيط من حولك.

إذاً ماهو دورك الآن؟ ما هو القرار الذي سيغير العالم من خلالك؟ كيف ستساهم في تعزيز مفاهيم الاقتصاد البيئي في أي منظومة تعيش أو تعمل فيها؟ يمكنك أن تغرس قيم حفظ النعم في أطفال مجتمعك، وتوظف جميع القنوات والتقنيات الحديثة لتخفض استهلاك الماء أو تلوث الهواء. اقتصد وأعد تدوير الموارد التي تستهلكها، وأخيراً أذكرك بالقاعدة العمرية الأصيلة «أوكلما اشتهيت اشتريت؟»