زوايا متخصصة

فيلم البقرة الأولى.. المهمش إذا انتقم

علا الشيخ - ناقدة سينمائية ola_k_alshekh@

فكرة فيلم الجوكر بمعناها الاجتماعي والطبقي وحتى الثوري كانت حاضرة في أفلام عدة من حول العالم والتي تم عرضها في الدورة 70 من مهرجان برلين السينمائي، الذي من الواضح أنه سيأخذ النصيب الأكبر في تناول طبيعة الأفلام فيه، نتيجة القرارات التي اتخذتها دول عدة في تأجيل مهرجاناتها السينمائية بسبب فايرس كورونا، أفلام نقلت صورا متنوعة من قصص قائمة على الفقر والطبقية، وحتى التهميش وبعضا من التحديات الخاصة، وهي من المواضيع التي تزعزع القلب وتشعر أنها لامست شيئاً خاصا بك، ففيلم المخرجة الأمريكية كيلي ريتشاردت البقرة الأولى «First Cow» مع الميل بعنونته إلى البقرة الوحيدة طبقا لأحداثه التي تدور في القرن 19، وهو من بطولة جون ماجارو، أوريون لي، وتوبي جونز.ستكون شاهدا على علاقة صداقة تتشكل بشكل هادئ بين مهاجر صيني وطباخ بريطاني، تجمعهم أرض أمريكية في ما يسمى فكرة أرض الأحلام، ستلاحظ من وجوه كثيرة اختلاط أعراقها، يجمعهم البحث عن مكان أفضل، في هذه الأجواء التي تبدأ بمشهد مع كلب يعثر على هيكلين عظميين لشخصين من الواضح أنهما ماتا سويا، لتعود الأحداث إلى الوراء، وتعيش تفاصيل حياة البراري التي كانت تعتمد على القوة واستنزاف الضعيف، وهنا تحديدا ستنتقل إلى صلب الموضوع في مسألة التوافق الذي يجمع بين الناس والذي من خلاله تتشكل المؤسسات في الدمج بين الشغف ورأس المال، هو فيلم يتحدث عن مفهوم الرأسمالية بشكل ذكي، بين غالبية مسحوقة وعدد بسيط من أصحاب العملات الذهبية، الطباخ لديه وصفة سحرية لصناعة الكعك، والكعك يحتاج إلى حليب، والحليب ليس متوفرا إلا من بقرة وحيدة تتمتع بحراسة قصر اللورد البريطاني العقل المدبر للشراكة تأتي من الصيني الذي يقنع صديقه الطباخ بسرقة الحليب ليلاً، والمفارقة المضحكة أن اللورد يتذوق من هذا الكعك الذي يصفه بأنه أعاده إلى بريطانيا وأجوائها، في المقابل ثمة شخصية هامشية تظهر في الفيلم في كل أيام بيع الكعك ستكون له علاقة بالهيكلين اللذين يظهران في بداية الفيلم فهو دائما يقف بالطابور لا يحصل على الكعك أبدا، هي تركيبة شاملة توضح كيف نمت المجتمعات في بيئة صعبة.

إذاً أنت أمام لورد غني، طباخ وهنا مفهوم الشغف، وتفكير اقتصادي تجاري يتمثل في الشخصية الصينية، وجميعهم يتآمرون على بعضهم البعض في حضرة بقرة وحيدة هي الشاهد على كل مجريات الفيلم لكنها لا تستطيع الإفصاح.

بين لغة المال التي تعطيك قوة البقاء وبين رائحة الكعك التي تعيدك إلى فكرة الوطن، وبين من يستغل الأمرين للتحكم أكثر، هكذا هو الفيلم الذي يداعب عقلك ويجعلك تصل إلى ذلك الرجل المهمش الذي ينتقم منهم جميعا على ما يبدو، لذلك ربط الموضوع بفكرة الجوكر تحضر، هي أشياء لا تستطيع اتخاذ القرار فيها بشكل لحظي بل بعد تراكم الألم والحرمان، بالمحصلة تنتصر لغة المال ويصبح الجميع مستهدفا من قبل المهمش الذي لم يلحظ أحد وجوده أثناء وقوفه بطابور الانتظار وهي بحد ذاتها فكرة عميقة لشكل من لا يحاول مشاغبة لغة القانون الذي لا ينظر لمن على شاكلته.