اقتصاد

ثمانية أيام هزت أسواق النفط والعالم

وزير الطاقة لحظة وصوله إلى مقر اجتماع «أوبك» في فيينا

ديريك براوار، أنجيل رافال، ديفيد شيبرد (لندن)، جريجوري ماير (نيويورك)

استدعى وزير الطاقة السعودي، الأمير عبد العزيز بن سلمان، نظراءه في أوبك إلى فندق «بارك حياة» بمدينة فيينا لإجراء مباحثات حول سبل الخروج من الأزمة (الناشئة عن تفشي فايروس كورونا) مساء الخميس الماضي.

وكانت أوبك قد أعلنت في وقت سابق من ذلك اليوم عن خطط لإجراء تخفيضات إضافية على الإنتاج بمقدار 1.5 مليون برميل يومياً طوال الثلاثة الأشهر القادمة استجابةً من اتحاد المنتجين لتدهور الطلب العالمي على النفط بسبب تفشي فايروس كورونا. ولكن بعد ساعات قليلة فحسب، تعرض الاقتراح لمأزق. حيث لم يتقبله سوق النفط، بل والأسوأ من هذا أن روسيا أيضاً لم توافق على الاقتراح، وهي الشريك الرئيس لأوبك في تحالف امتد لثلاث سنوات حتى الآن.

وقد قال أحد الأشخاص المطلعين على المفاوضات التي استمرت لأسابيع إن «روسيا لم يكن لديها استعداد للتجاوب منذ البداية»

وبعد المحاولات المكثفة لإقناع الروس بتبني التخفيضات الجديدة، حان وقت اتخاذ القرار.

وقام الأمير عبدالعزيز، بمساندة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ونظرائه في أوبك، بتغيير الخطة في تلك الليلة، متعهداً بإجراء تخفيضات طويلة الأمد. ولكن لإقرار تلك التخفيضات، كان يتوجب على روسيا الموافقة عليها. وكان هذا قراراً نهائياً.

وقلة فقط، سواء في الرياض أو موسكو، كان بمقدورهم التكهن بما حدث بعد ذلك خلال الأيام التالية، حيث اتجهت أسواق النفط المُعتلَّة بالفعل إلى الانهيار.

ومن خلال المقابلات التي أجريت مع عشرات من مسؤولي أوبك والمستشارين الحكوميين والتجار وخبراء الطاقة، يمكننا بناء صورةٍ لقطاع كان يتأرجح على الحافة بشكل ينذر بالخطر وهو الآن في حالة سقوط حرّ.

ومنذ الاجتماع في فندق «بارك حياة»، هبط سعر خام برنت المرجعي بنسبة 34%، وشهدت كبريات شركات النفط والغاز الرئيسية في العالم خسائر بمليارات الدولارات بسبب تراجع أسعار أسهمها، ما أدى إلى التوسع في عمليات التخلص من الأسهم ببيعها في الأسواق، وزيادة مخاوف اقتصادات الدول المنتجة من التداعيات.

لقد دخلت كل من السعودية وروسيا الدولتين الحليفتين، في معركة جديدة على حصة كل منهما من السوق. وفي هذا الصدد، قال روجر ديوان من «آي. إتش. إس. ماركت» الاستشارية والمتابع لشؤون منظمة أوبك لفترة طويلة إن «هذه هي النسخة النووية من حرب الأسعار، عندما تكون عملية تدمير الطلب لا نظير لها، أو أنها بصراحة تستعصي على الفهم».

نجت الشركات الأمريكية من حرب الأسعار التي اشتعلت في الفترة 2015-2016 عن طريق تحسين كفاءتها وخفض التكاليف والتركيز على نقاط القوة لديها. كما أنها أيضاً حصلت على دعم المؤسسات المالية في «وول ستريت»، من خلال تمديد حد التسهيلات الائتمانية، وشراء السندات من المنتجين، والمشاركة في رأس المال.

غير أن وسائل المساعدة تلك قد انتهت.

ففي الوقت الذي كانت كل من السعودية وروسيا تقومان باستعراض عضلاتهما الإنتاجية، كان قطاع إنتاج النفط الصخري الأمريكي قد بدأ في التراجع، حيث أعلنت الشركات خططاً لوقف تشغيل الحفارات وتقليص ميزانياتها. وفي ظل الأسعار الحالية، سوف ينخفض حجم الإنفاق الرأسمالي بنسبة 70% العام القادم، حسب توقعات شركة «ريستاد إنرجي» الدولية لاستشارات الطاقة، وسوف ينخفض الإنتاج بمقدار مليونَيْ برميل يومياً. ويقول المحللون إن حالات الإفلاس حتمية.

وفي يوم الثلاثاء، قامت «فيكي هولوب»، الرئيس التنفيذي لشركة أوكسيدنتال بتروليوم، بخفض أرباح الأسهم بنسبة تصل إلى نحو 90%، وذلك بعد أسابيع قليلة فقط من قولها إن توزيعات الأرباح السخيّة تشكل الركيزة الأساس لفلسفة شركتها. وفي يوم الخميس، رفع المستثمر النشط «كارل إيكان» حصته في أوكسيدنتال أربعة أضعاف، وطالب بإقالة السيدة «هولوب».

وكان هناك أيضاً أسماء كبيرة من بين الضحايا. فبحلول يوم الخميس، هبطت أسهم شركة «بي بي» إلى مستوى متدنٍ لم تبلغه على مدى 24 عاماً الماضية. وشهدت شركة «إكسون» المزيد من التراجع في قيمتها السوقية التي وصلت إلى 178 مليار دولار فحسب، وتساءل المحللون عن الشيء الذي سيحقق النجاة: أرباح أسهمها أو خطط الإنفاق الخاصة بها؟.

وكان مسؤولو الطاقة الأمريكيون -الذين كانوا يشعرون بالتفاؤل منذ أسبوع مضى- يحاولون إقناع البيت الأبيض بتقديم يد العون للصناعة. غير أن الرئيس ترمب بدا سعيداً أكثر بانخفاض أسعار البنزين قبل موعد الانتخابات.

ولكن يبدو أنه لا مفر من وقوع المزيد من الصدمات.

وقالت الخبيرة في قسم الطاقة في معهد سكولكوفو للعلوم والتكنولوجيا الروسي، إيكاترينا جروشيفينكو: «إن حرب الأسعار هذه المرة أكثر خطورة من المرة السابقة، حيث إننا في هذه المرة نشهد مزيجاً غير معتاد من العوامل، يتمثل في: تكديس المخزونات في سوق النفط وحدوث صدمة في جانب الطلب».

وأكد أشخاص مطلعون على موقف المملكة العربية السعودية أنه في ظل أوضاع السوق الراهنة ومن دون حدوث تحول ملموس في الموقف الروسي، فإن التحالف المتصدع سوف يظل كذلك. وقد وُضعت الإستراتيجية السعودية في موضع التنفيذ في الوقت الراهن. وهي «ستستمر»، حسب قول عضو مؤتمر أوبك.