ثقافة وفن

الأخطاء الطبية والأخطاء الأدبية

علي خالد الغامدي

علي خالد الغامدي

قرأتُ كتاب الأيام لطه حسين، وأنا تحت الإقامة الجبرية بمستشفى الكندرة، دون تليفزيون ودون شيكولاته، ولا أنسى تلك الأيام التي أمضيتها مرافقاً لأخي الصغير (سالم) عندما أصيب بالتهاب في الكُلى ولصغر سنه، كان لا بد أن أكون مرافقاً له فأنا أكبر إخوتي، ووقعت عليّ القُرعة. وقد أمضيتُ أكثر من أسبوع قيد الإقامة الجبرية، بتعليمات من الدكتور عارف قيّاسة، الذي كان مديراً للمستشفى. وأحاطني وأخي بعنايته ورعايته، إذ خصص لنا غرفة، لا تشبه الغرفة الحالية، من حيث الأناقة والفخامة، بل تتفوق عليها بالخدمة الطبية. كنت في مقتبل عملي الصحفي. وليس من اليسير أن تمتلك كتاباً لعميد الأدب العربي. إلاّ أن الكتاب توفّر. ولطه حسين ولأيامه فضل الإسهام في تحمل رتابة الأيام داخل مستشفى الكندرة الذي ذهب لاحقاً في أعمال توسعة، كما ذهبت أشياء جميلة أخرى.

من حسن حظي أن الكتاب أمدني بعبير الثقافة في تلك السن المبكرة. وخرجت من الإقامة الجبرية لأقرأ «يوميات نائب في الأرياف، وبنك القلق» لتوفيق الحكيم ثم العبرات والنظرات للمنفلوطي وبعدها مباشرة للعقاد ثم بقية رموز الثقافة العربية.

الطريف في الأمر أنني وسالم خرجنا من المستشفى على طرفي نقيض. أنا أحب الأدب والأدباء وأخشى المستشفيات والأطباء. وهو لا يحب الأدب والأدباء برغم أنه درس الإعلام في جامعة الملك عبدالعزيز تحت إشراف الدكتور هاشم عبده هاشم. الذي كان قبل ذلك أستاذاً لي في جريدة المدينة. واليوم نندب تلك الأيام الخوالي التي كان فيها الأدب راقياً والطب جيداً من حيث المواهب لا من حيث الإمكانات.

لقد تطور الطب كثيراً بما توفر للأطباء من أجهزة حديثة تكشف بعض الأمراض لا معظمها لكنها اختفت أو تراجعت المواهب الطبية التي كانت تعرف نوع المرض دون أجهزة وتسهم في الشفاء السريع مثلما اختفى أو تراجع نجوم الأدب الذين كانوا أساتذة ومدارس لجيلنا وأسهموا في إنضاج تجارب كثيرين من ذوي المواهب.

وكما ابتلينا بدكاكين طبية تنتشر في كل مكان. زادت الأسماء المحسوبة على الأدب وليس لها منه نصيب إلا الخروج على الأدب لنيل جائزة على (الخروج) ليطويهم إثر ذلك النسيان.

ومع كثرة وفداحة الأخطاء الطبية كثرت الأخطاء الأدبية، بسبب ظهور أسماء ليست أصيلة في أدبها، والفرق بين الأخطاء الطبية وبين الأخطاء الأدبية أن الأولى تتسبب في قتل البشر أو تعطيلهم على أقل تقدير. بينما الثانية تسهم في تخلّف المجتمعات.