كورونا والأسئلة الكبرى
الجمعة / 03 / شعبان / 1441 هـ الجمعة 27 مارس 2020 01:00
أسامة يماني
الوباء المعروف بكورونا (كوفيد ـ ١٩) الذي خنق الاقتصاد العالمي وأضر بالسياحة وحركة النقل والتجارة وتسبب في موت آلاف البشر، لم يقف عند هذا الحد من الأضرار المادية والاجتماعية والصحية، وإنما تجاوز ذلك بكثير.
هذه الجائحة أو الوباء الذي يطلق عليه اصطلاحا كورونا كوفيد ـ ١٩، سيغير وللأبد مفاهيم كثيرة، وسيغير الكثير من العادات والتقاليد المُتعارف عليها بين البشر.
ولن يقف تغييره وتأثيره على جانب واحد بل سيمتد هذا التغيير والتأثير إلى كافة القطاعات والقناعات وأسس تصوراتنا للعديد من المفاهيم مثل: العولمة - الدولة - الوطن - الحياة - الكائن الحي - الجسد - الفرد - المجتمع - الفضاء الخاص والفضاء العمومي - الحرية - الديموقراطية - العدالة - الانضباط - «الإنسان سيد الطبيعة» - البراغماتية - والأعراف الدينية والاجتماعية - والثابت والمتغير.
لتقريب الصورة أشير لما نوهت إليه في مقال سابق بصحيفة «عكاظ» بعنوان «التغيير الثقافي»، وقد جاء فيه: «في العصر الرقمي لا وجود لأماكن منفصلة، والفضاء السيبراني في كل مكان. والتواصل الاجتماعي لم يعد كما كان، فقد غير العصر الافتراضي وأثر في مفاهيم التواصل والعلاقات الإنسانية، كالهدايا الرقمية والاجتماع واللقاء من خلال الاتصالات الرقمية. وفي العصر السيبراني أيضاً تغير مفهوم العملة والحدود الجغرافية والفنون والآداب والاقتصاد والطب والحرب والسلم والعدوان والتجسس والأمن وكل تفاصيل حياتنا».
الجانب الإيجابي في هذه المحنة البشرية أن هذا الوباء سيعجل بتغيير مفاهيم وتصورات وقناعات كان يظنها البعض غير قابلة للتغيير. فقد غيرت كورونا البيروقراطية والإجراءات الروتينية التي كانت تتبناها الحكومة الأمريكية في إجراء قبول الأدوية.
الديموقراطية التي كان يعتبر الغرب أنها النموذج الأمثل، سوف تُعاد صياغتها وإدخال تعديلات جوهرية عليها.
وظائف الدولة أيضاً أصابتها صدمة كورونا، فالعمل عن بعد أصبح ضرورة لا يمكن تجاوزها وسوف يكون لذلك أثر على المجتمع والاقتصاد والنقل والإقامة.
سيكون للتعليم عن بعد أثره على شكل الجامعات والمعاهد والمؤسسات التعليمية التقليدية المرتبط بالمكان والدولة والتحصيل، وعلى تقييم الشهادات ومعادلتها، ومفهوم التفرغ، وغير ذلك من أمور يفرضها التغيير الذي جاءت به صدمة كورونا.
هذا التغيير كما جاء في مقال في «هارفارد بزنس ريفيو» سيشهد تخبطاً وأخطاءً في التطبيق لكنها مرحلة لا بد منها، وكلنا سنمر بها عاجلاً أم آجلاً.
ودولة إستونيا منذ أكثر من عشر سنوات عانت من هذه المشكلات لكنها اليوم تعتبر من أنجح دول العالم في تقديم الإقامة عن بعد، والعمل عن بعد، وترخيص الشركات وإدارتها عن بعد، ويعتمد أغلب اقتصادها على هذه النماذج منذ سنوات بنجاح.
كورونا صدمت الديموقراطية وستعيد النظر فيها كفكرة كبرى لها قداستها وآلياتها وقبولها المجتمعي. إن العالم قادر على صنع وتكوين مفاهيم وأفكار جديدة تفسر الواقع ومتغيراته، وتضبط وتطور آليات تفكير الأفراد والمجتمعات، حيث إن كل تقدم وإنجاز وتطوير هو وليد فكرة متسقة وواضحة، ووليد استخدام مفاهيم عامة لا غموض في دلالاتها ودورها. وهذا ما سينتج عن تسونامي كورونا.
* كاتب سعودي
yamani.osama@gmail.com
هذه الجائحة أو الوباء الذي يطلق عليه اصطلاحا كورونا كوفيد ـ ١٩، سيغير وللأبد مفاهيم كثيرة، وسيغير الكثير من العادات والتقاليد المُتعارف عليها بين البشر.
ولن يقف تغييره وتأثيره على جانب واحد بل سيمتد هذا التغيير والتأثير إلى كافة القطاعات والقناعات وأسس تصوراتنا للعديد من المفاهيم مثل: العولمة - الدولة - الوطن - الحياة - الكائن الحي - الجسد - الفرد - المجتمع - الفضاء الخاص والفضاء العمومي - الحرية - الديموقراطية - العدالة - الانضباط - «الإنسان سيد الطبيعة» - البراغماتية - والأعراف الدينية والاجتماعية - والثابت والمتغير.
لتقريب الصورة أشير لما نوهت إليه في مقال سابق بصحيفة «عكاظ» بعنوان «التغيير الثقافي»، وقد جاء فيه: «في العصر الرقمي لا وجود لأماكن منفصلة، والفضاء السيبراني في كل مكان. والتواصل الاجتماعي لم يعد كما كان، فقد غير العصر الافتراضي وأثر في مفاهيم التواصل والعلاقات الإنسانية، كالهدايا الرقمية والاجتماع واللقاء من خلال الاتصالات الرقمية. وفي العصر السيبراني أيضاً تغير مفهوم العملة والحدود الجغرافية والفنون والآداب والاقتصاد والطب والحرب والسلم والعدوان والتجسس والأمن وكل تفاصيل حياتنا».
الجانب الإيجابي في هذه المحنة البشرية أن هذا الوباء سيعجل بتغيير مفاهيم وتصورات وقناعات كان يظنها البعض غير قابلة للتغيير. فقد غيرت كورونا البيروقراطية والإجراءات الروتينية التي كانت تتبناها الحكومة الأمريكية في إجراء قبول الأدوية.
الديموقراطية التي كان يعتبر الغرب أنها النموذج الأمثل، سوف تُعاد صياغتها وإدخال تعديلات جوهرية عليها.
وظائف الدولة أيضاً أصابتها صدمة كورونا، فالعمل عن بعد أصبح ضرورة لا يمكن تجاوزها وسوف يكون لذلك أثر على المجتمع والاقتصاد والنقل والإقامة.
سيكون للتعليم عن بعد أثره على شكل الجامعات والمعاهد والمؤسسات التعليمية التقليدية المرتبط بالمكان والدولة والتحصيل، وعلى تقييم الشهادات ومعادلتها، ومفهوم التفرغ، وغير ذلك من أمور يفرضها التغيير الذي جاءت به صدمة كورونا.
هذا التغيير كما جاء في مقال في «هارفارد بزنس ريفيو» سيشهد تخبطاً وأخطاءً في التطبيق لكنها مرحلة لا بد منها، وكلنا سنمر بها عاجلاً أم آجلاً.
ودولة إستونيا منذ أكثر من عشر سنوات عانت من هذه المشكلات لكنها اليوم تعتبر من أنجح دول العالم في تقديم الإقامة عن بعد، والعمل عن بعد، وترخيص الشركات وإدارتها عن بعد، ويعتمد أغلب اقتصادها على هذه النماذج منذ سنوات بنجاح.
كورونا صدمت الديموقراطية وستعيد النظر فيها كفكرة كبرى لها قداستها وآلياتها وقبولها المجتمعي. إن العالم قادر على صنع وتكوين مفاهيم وأفكار جديدة تفسر الواقع ومتغيراته، وتضبط وتطور آليات تفكير الأفراد والمجتمعات، حيث إن كل تقدم وإنجاز وتطوير هو وليد فكرة متسقة وواضحة، ووليد استخدام مفاهيم عامة لا غموض في دلالاتها ودورها. وهذا ما سينتج عن تسونامي كورونا.
* كاتب سعودي
yamani.osama@gmail.com