كتاب ومقالات

فايروس كورونا.. إنقاذ الأرواح أم الاقتصاد ؟

محمد سالم سرور الصبان

مزعج هو النقاش الدائر في الأوساط السياسية في العالم الغربي حول متى يتم وضع حد للحجر والإغلاق للمدن والدول، في الوقت الذي وصل فيه النشاط الاقتصادي العالمي إلى نقطة التوقف والشلل التام في معظم الدول.

ورأينا أن فكرة الإسراع في رفع الحظر بكافة أنواعه حتى في ظل استمرار تفشي وباء كورونا من أجل إنقاذ الاقتصاد العالمي، بدأت تخترق وتكسب مؤيدين لها، وإنْ ربطها البعض بشروط لإعطاء الحفاظ على الأرواح أولوية نسبية.

ما دفع رواد النظام الرأسمالي إلى التفكير بهذه الطريقة، أنهم قد شاهدوا بأم أعينهم تدهور الاقتصاد العالمي وتوقف النشاط الاقتصادي وتزايد معدلات البطالة وبشكل مخيف، ولجوء الحكومات لتعويض الشركات والمؤسسات عن الخسائر التي لحقت بها، وتعويضها عن الأجور والرواتب التي تدفعها في محاولة للإبقاء على عمالتها دون تسريح لفترة الأزمة، وهو ما يمثل أعباءً مالية ضخمة على خزينة الدول، خاصة لو استمرت الأزمة لفترة طويلة.

الرئيس الأمريكي ترمب هو أكثر المتحمسين لفكرة وضع حد زمني لكافة أنواع الحجر الصحي المفروض على المواطنين الأمريكيين، من منطلق أنه لا يمكن الاستمرار فيه إلى ما لا نهاية في ظل عدم اليقين حول موعد وقف انتشار فايروس كورونا، وبالتالي فالاقتصاد الأمريكي رهينة التطورات ورهينة قرارات منظمة الصحة العالمية في أن الوباء لم يعد ينتشر، وفي رأيه أن هذا قد يأخذ أشهرا عديدة. ولذا فقد حدد منتصف أبريل لرفع كل أنواع الحجر الصحي المفروض على مختلف الولايات حتى لو استمر تفشي هذا الوباء. وحيث إن هذا العام هو عام انتخابات، فهو يحاول إنقاذ الاقتصاد الأمريكي قبل فوات الأوان، ولو على حساب الأرواح البشرية.

الحجة التي يستخدمها ويحاول أن يبرر بها منطقه غير المقبول لدى الكثيرين، أنه لو انهار الاقتصاد الأمريكي، فإن أعداد الموتى؛ نتيجة للإحباط وحالات الانتحار، قد تفوق أعداد ضحايا الفايروس حال استعجال رفع الحجر الصحي عن مختلف الولايات الأمريكية.

المثال الصيني في التعامل مع الفايروس تمثل في تركيز جهود مكافحة الفايروس وتأجيل احتفالات رأس السنة الصينية وإغلاق بعض المدن بشكل كامل، والبدء في تطوير بعض اللقاحات والعلاجات التي ما زالت في مرحلة التجارب، وأدت كل هذه الجهود إلى انخفاض كبير جدا لعدد الحالات الجديدة من كورونا، وتشافي العدد الأكبر من الحالات القائمة، بل وبدأت في تصدير تجربتها وبالذات لتلك الدول التي منعت جارتها من مساعدتها مثل إيطاليا.

وعندما شعرت الصين بزوال معظم الخطر، قررت أن تعود بنشاطها الاقتصادي إلى ما كان عليه بحلول منتصف أبريل القادم، وهو ما يُبرز تفاؤلا كبيرا بإمكانية تجاوز ثاني أكبر اقتصاد عالمي -والذي سيصبح قريبا أكبر اقتصاد عالمي على الإطلاق- مرحلة كساد اقتصادي كان يمكن أن يتدهور معه الاقتصاد العالمي إلى مستويات غير مسبوقة. وأصبحت الصين مثالا يُحتذى به، وأملا بأن الفايروس سيضمحل تدريجيا، وأنها لم تضحّ بالأرواح لتنهض اقتصاديا من جديد.

كما قدم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله-، ولترؤس المملكة لمجموعة العشرين، خدمة للمجتمع الدولي بأن طلب عقد قمة استثنائية افتراضية يتباحث فيها قادة المجموعة والمنظمات الدولية المعنية سبل مواجهة فايروس كورونا صحيا واقتصاديا واجتماعيا، وهذا ما حدث الأسبوع الماضي.

وتم اتخاذ قرارات جماعية بتقديم الدعم اللازم لهذه المواجهة مع فايروس صعب المراس لينحسر في أقصر وقت ممكن. ولم يناقش القادة بدائل التضحية بالاقتصاد العالمي أو بالأرواح البشرية، بل واجههما الاثنين في آن واحد، من خلال بيان ختامي تقوم الجهات

المعنية دوليا بتنفيذه بعد الاتفاق قريبا على تفاصيل بنوده.

وفي الختام، فالمجتمع الدولي قادر على مواجهة تحدي كورونا، بالرغم من اختلاف الظروف والإمكانات بين الدول، وبالرغم من أعداد الضحايا، وسيعود الإنسان والاقتصاد العالمي أقوى وأكثر صلابة مما كان ويفكر بعمق كيف يتجهز لمثل هذه التحديات المفاجئة لو عادت مرة أخرى.

* كاتب سعودي

sabbanms@