كتاب ومقالات

تحية وتقدير إلى كورونا

أحمد عبدالله عاشور

«برافو» كورونا!

لم يستطيعوا الإمساكَ بك، وانتشرت في أنحاء العالم كالنّار في الهشيم، من خلالِ البشر أنفسهم رغمَ الحجرِ وإغلاق الحدود والمطارات وجميع المنافذ.

لقد أثرت الهلعَ والخوفَ في قلوبِ أعتى الدّول الكبرى.

وصفوك بالوباء القاتل والجائحة رغمَ أنّك صنيعة أيديهم، وماتَ الأغلبيّة من الهلع ونقص الإمكانيات وتراكم الأمراض الأخرى وليس من فايروس كورونا.

شكراً جزيلاً كورونا

لأنّك كشفت المستور وعرّيت الحقيقة، وأظهرت هشاشةَ الأنظمةِ والخططِ الصّحيّة والاقتصاديّة في أعتى دولِ العالمِ الّتي كانت تتشدّق وتتباهى بأنظمتها وإمكانيّاتها وبتقدّمها وبتعاليها على الدّول الأخرى، غابت الخطط وانعدمت جميع التّشريعات في حالةِ الطّوارئ، حتّى لم يستطيعوا توفيرَ أبسطِ الأمور لمواطنيهم كالأقنعةِ الواقيةِ البسيطة، وآليات وأجهزة طبيّة مساعدة للتّنفس لإنقاذ حياتهم أو توفير حتّى المواد الغذائيّة الضّروريّة لشعبها.

انصدمت البشريّة بمواقفِ حكّامها، وتخبّطهم بقرارات ارتجاليّة، وتخلّى الحلفاء عن المعاهدات في أبسطِ مواجهةٍ وعندَ أضعفِ اختبار، سقطت الاتفاقيّات وتنصّلت كثير من الدول الكبرى من التزامها وأصبحت كل جهة ترمي بالّلائمة على الأخرى.

حلّت الفوضى والذعر والارتباك، حتّى وصل الحال ببعض الحكّام للبكاء أمام شاشات الإعلام أو الاستجداء وطلب المساعدة.

كورونا

رغم صغر حجمك استخفّ البعضُ بقدراتِك واستهانَ الجميعُ بك ولكنّك أثبتّ للجميع بأنّك مرعب، لقد فضحت حضارةً مزيّفة وتمدّناً بشرياً مزيفاً، عندما قامت حشودٌ بشريّةٌ بالاندفاعِ إلى المراكزِ التجاريّة في كل من أمريكا وأوروبا بهمجيّة لا مثيلَ لها لتأمينِ احتياجاتِهم من الغذاء وتعاملهم كالحيوانات مع بعضهم البعض، لم يلتزموا بتعليمات التّحذير وعدم التّجوّل واعتقدوا بأنّهم أقوى من الفايروس، ولم يقتصر الأمر على ذلك بل إنّ بعضهم قام بعمليّات شغب وتحطيم محلات تجارية وسرقة ما بها وحرقها أمام أعين رجال الأمن الذين لم يستطيعوا إيقافهم، هل هذه هي الحضارة والتّمدّن الّتي تدّعونها؟!!!

شكراً لك يا كورونا لأنّك لم تقتل أو تسحق أرواحَ الملايين من البشر كما فعلت الأوبئة السابقة الأخرى في الماضي ولكنك بثثت رعباً وقلقاً عالمياً لم يسبق له مثيل وأحدثت شرخاً اقتصادياً وركوداً مالياً، وفقد الكثير وظائفهم ولم يجدوا ما يقتاتون به، وقلبت جميعَ الموازين ومصداقية الوحدة الهشّة بين الدّول الكبرى والاستغلال والاستخراف الذي حدث بين بعض الدول في الماضي.

لقد اتّضح انصراف العالم كلّه إلى اهتمامات نظريّة وماليّة وتقنيّة وإنشاءات والصّعود إلى الفضاء وتسابقوا بالتّسلّح واقتناء أقوى ترسانةٍ عسكريّة، ونسوا الاهتمام بصحّة شعوبهم، وتدخّلوا ونصّبوا أنفسَهم حكّاماً في شؤونِ كثيرٍ من الدّولِ الأخرى ونسوا الاهتمامَ ببلدانِهم.

شكراً كورونا لإلغاء التّميّز وإرساء مبدأ المساواة في المرض بين الكبير والصّغير والغني والفقير والحاكم والمحكوم.

شكراً كورونا لأنّك شملت العالمَ كلّه دون استثناء، فلم يستطع بعض الحكّام الهروب من بلدانهم في أوّل طائرة كما كانوا يفعلون دائماً عندما تحلّ بهم مصيبة وانزربوا في بيوتهم وأوطانهم، حتّى أصبحوا يتحاشون السّلام والحديث وزيارة بعضهم البعض وحتّى مع أقرب الأشخاص والأصدقاء إليهم، يبحثون عن منفذٍ يهربون منه ومكان يبعدهم عن البشرية، لم تنفعهم أموال جمعوها ولا جيوش ورجال لحمايتهم.

شكراً كورونا لقد علّمتنا مبادئَ النّظافة والحفاظ على البيئة والحد من التدخين والالتزام بالنّظام والأدب في التّعامل وطاعة ولاة الأمر والقانون وملازمة البيوت.

شكراً كورونا لإتاحة الفرصة لكي يجتمع أفراد الأسرة مع بعضهم البعض وتثبيت أواصر العلاقة الأسريّة والحدّ من سفر البعض بغرض السّياحة الفردية وزيادة النسل وتعلم الطبخ وترتيب المنزل وصيانته ومعرفة معاناة الزوجة وحيدة في المنزل.

شكراً كورونا لأنّك علمتنا استخدام وسائل وطرق الاتّصالات الإلكترونيّة والتّواصل الاجتماعي ولزيادة فرصة التعلّم عن بعد باستخدام التّقنية الحديثة التي لم يكن يتقنها كثير منا من قبل وأداء أعمالنا من المنزل.

لقد استطعت يا كورونا قلب جميع موازين الحياة في العالم وسوف تتغيّر أيضاً الكثير من النّظم في المستقبل وسوف يكون هناك دروس كثيرة وعبر كثيرة للحياة والعمل والتّعامل مع أنفسنا ومع بعضنا البعض.

شكراً لك كورونا من الأعماق على ما تحقق من إنجازات فأنت تستحق التّبجيل، ولكن هل يوجد من يتفطن ومن يتَعظ؟

* كاتب سعودي