كتاب ومقالات

نذالة

طارق فدعق

يرمز عنوان المقال لسلوكيات الغدر أو عدم الالتزام بالواجب، أو بالوعود، أو المسؤوليات. وللأسف الشديد فقد أصبحت النذالة واسعة الانتشار وبأغرب الأشكال والألوان. وأود أن أركز على بعض الأمثلة من عالم الأوبئة في ظل الظروف التي يمر بها العالم اليوم. في عام 1347 عندما أصاب وباء الطاعون القارة الأوروبية وتسبب في وفاة حوالى ثلاثين مليون إنسان... 34 في المائة من سكانها خلال فترة ألف وخمسمائة يوم، بدأت الاتهامات تندلع من جهات ومجموعات مختلفة لإلقاء اللوم على بعض الأقليات وأولها اليهود. وإحدى أقوى تلك الاتهامات كانت أنهم يضعون السم في آبار المياه. وتراكمت الشائعات لتشعل شدة الكره ضدهم، وتسبب ذلك في حملة شرسة شهدت تصرفات انتقامية: كانوا يقتلون مجموعات من اليهود من الكبار والصغار في ديارهم، وكان بعضهم يجمع المئات منهم ويشعلون فيهم النار. وهناك وثائق تاريخية تشير إلى إبادة الآلاف فيما لا يقل عن 235 من الجماعات اليهودية الأوروبية. جدير بالذكر أن هذه الممارسات انتشرت في أوروبا، ولكنها لم تمارس في الدول الإسلامية التي التزمت بحضارتها الإنسانية. وللعلم، فمعظم اليهود تاريخيا حول العالم كانوا من ساكني مصر، والشام، والمغرب، وتمتعوا بالأمن والأمان في جميع الفترات سواء خلال فترات الأوبئة أو خارجها. وكان «جزاء المعروف سبعة كفوف» كما نرى اليوم وكل يوم في الأراضي الفلسطينية المحتلة. مقدار القسوة الذي يمارس ضد الفلسطينيين بشكل خاص، والعرب والمسلمين بشكل عام، يعكس مفهوم النذالة في أقوى أدوارها وكأن الصهاينة نسوا أو تناسوا السلوكيات التاريخية الكريمة من المسلمين، وكأنها أصبحت في «الباي الباي».

وإحدى الكلمات المصاحبة لظاهرة النذالة هي «فلسّع» بمعنى الهروب السريع، وترك الساحة، والاختفاء، و«الطناش». وكان موضوع «الفلسّعة» من السلوكيات المحزنة ضمن سجل وباء الطاعون في أوروبا. هناك حكايات مدونة عن الناس الذين تركوا أسرهم بمجرد الاشتباه في إصابتهم بالمرض الخبيث. طيب يا جماعة الخير وقت الإصابة بالمرض هو وقت الحاجة للرعاية، والحب، والحنان، والشهامة... ولكن على مين... لجأ العديد من البشر إلى الفلسّعة في أحد أغرب التصرفات التاريخية... فضلا انظروا في اتهامات الاستنذال خلال هذه الأيام من إيطاليا ضد بعض من جيرانها، اتهامات كبيرة بتجاهل المتطلبات الإنسانية الأساسية لتوفير المعدات الطبية.

يمكننا أن نتخيل أن الفايروس هو عبارة عن كائن غير حي يتكون من نواة تحتوي على مواد وراثية محاطة بكمية نذالة هائلة. والصحيح علميا هو أن النواة محاطة بالغشاء البروتيني والأبراج التي تمنحها الشكل التاجي ومن هنا جاء اسم الكورونا ومعناها التاج. وأما اسم كوفيد 19 (Covid 19)؛ فهي الاختصار «لفايروس كورونا المرض الذي تم اكتشافه عام 2019»Corona Virus Disease 2019.

تخيلوا أن «قبيلة» الكورونا كانت تعتبر من الفايروسات الوديعة نسبيا وكانت مخاطرها على البشر ضئيلة نسبيا إلى أن استنذلت فاستفحلت.

أمنيــــــة

مواقف مملكة الإنسانية في هذه التجربة مشرفة ولله الحمد سواء للمواطنين أو للمقيمين، أو حتى للدول التي تحتاج للمعونات بدون أن تطلبها. أتمنى أن يسجل هذا في ذاكرة التاريخ، والله يوفق كل من يساهم في إدارة هذه الأزمة العالمية..

وهو من وراء القصد.

* كاتب سعودي