المحن كاشفة الحقيقة
الجمعة / 10 / شعبان / 1441 هـ الجمعة 03 أبريل 2020 00:56
بشرى فيصل السباعي
الطلاب وهم يذهبون يوميا للمدارس والجامعات يبدون متشابهين لكونهم يحضرون معاً ذات الدروس لذات الوقت وبذات الهيئات العامة لكن فقط عند امتحانهم يتمايزون وتظهر حقيقتهم ما بين جاد مجيد وما بين مهمل فاشل، والحياة الدنيا كلها مدرسة وكل ما فيها من أحوال هو وسائل وأدوات تعليمية، والمحن والشدائد والكوارث تظهر حقيقة الإنسان فردا وجماعة (ونبلوكم بالشر والخير فتنة)، والفتنة لغة: الاختبار، وأصلها من فتن الصائغ المعدن: أي أحرقه لكشف حقيقة صفاء المعدن ولتنقيته من الشوائب، ولهذا سلوك الناس بمحنة كوباء كورونا أظهر حقيقة معدنهم ودرجة ونوعية وعيهم، وقد رأينا من يتعمد نشر الوباء بالبصق على أشياء الناس، ومن يضحي بحياته لحمايتهم من الوباء ويتطوع لمساندة الواقعين بضائقة بسبب تبعات هذه المحنة ومن قدم تبرعات بالملايين ووضع عقاراته تحت تصرف الهيئات الصحية، بينما هناك من ضاعف الأسعار وتعمد الاحتكار ولم يقدم قرشا لمساندة جهود مواجهة الوباء، وأيضا رأينا دولا كانت الصورة الذهنية عنها أنها أعظم الدول المتقدمة وبخاصة لجهة ما توفره لمواطنيها من خدمات أساسية، فإذا بكارثة كورونا تكشف عن التدهور الخطير ببنيتها التحتية حتى اضطرت لطلب المساعدة من الدول التي تصنف كدول نامية، فكشفت محنة كورونا أن عظمة الدول والقادة ليست بالخطابات العنترية والصورة الذهنية إنما بواقع البنية التحتية والخدمية الأساسية، ولهذا مثّل كورونا صدمة حضارية للمخدوعين بخطابات العنتريات الديماغوجية/ الشعبوية الغوغائية اليمينية النرجسية التي سادت تياراتها الخطيرة العالم منذ حوالي العقد من الزمن بوعود العظمة الطوباوية/ الخيالية، فإذا بها تستيقظ من أحلام المنام على كابوس الواقع الحقيقي ليجدوا أنه بينما كانوا مستغرقين بسكرة ذلك الخطاب الفارغ المدوي كطبل كان هناك من يبني على الأرض وترك أعماله تكون أبلغ من أقواله، ولهذا من يحب العظمة الحقيقية يرى الكوارث مهما كانت مؤلمة فهي لها فائدة أنها كشف جذري للواقع الحقيقي بما يساعد على إحداث قفزة تطوير جذري بعدها، بينما من يريد أن يبقى مستغرقا بسكرة أحلام المنام فسيبقى يعاني من فوبيا وعصاب ووسواس قهري من أي محك فتنة أي امتحان لحقيقته لأنه لا يريد أن يجعل حقيقته أفضل، إنما يريد خلق «وهم» بأنها أفضل، ولهذا حتى بالدعاء يدعو «اللهم استر عيوبنا» ولا يدعو بـ«اللهم أصلح عيوبنا». عموما العالم كله يمر بمرحلة لها مثال «إعادة تشغيل» الكومبيوتر لإصلاح «تعليقه» بما يؤدي لعلاج خلله التراكمي وتجديد كفاءته، وقد تتطور أنظمة جديدة دائمة للتعليم والعمل عن بعد.
* كاتبة سعودية
bushra.sbe@gmail.com
* كاتبة سعودية
bushra.sbe@gmail.com