كتاب ومقالات

غبّر يا ثور

علي بن محمد الرباعي

ما تتبناه قيادتنا السعودية اليوم هو تحقيق لتطلعات النخب منذ عقود. تلك التطلعات والمطالب دفع المنادون لها ثمناً من صحتهم وحريتهم ومصدر معيشتهم. وها هي القيادة اليوم تسبق الجميع متمثلة المعنى الحرفي للتقدمية.

تتألف المنظومات الثقافية والاقتصادية والسياسية في بلادنا من أفراد قدموا من الأرياف والقُرى والهِجر ومن المدن والحواضر وفيهم أولاد وأحفاد بورجوازيين كما فيهم منتسبون لطبقات متوسطة وكادحة.

معظم النخبويين يعترفون أنه لولا هذا الوطن لما كانوا نخبة لا فرادى ولا مجموعات، فالمملكة علّمت ومكّنت ووظفت وأكرمت وأتاحت مساحات للتعبير عن الرأي.

ليس من عيب على مخلوق له عقل وقلب ومشاعر أن يُعجبَ بفكرة، أو يتبنى نظرية، أو ينحاز لفئة، أو يتغنى بشعار، أو يميل لتوجه أو يستحوذ عليه طرح. أو يملك لُبّه خطاب، ولن يكون الجميع نسخاً متطابقة لأنهم ليسوا كتباً مستنسخة ولا جمادات منحوتة.

كم يستغرق منا بناء بيت؟ وما حجم المعاناة التي لحقت بباني البيت (مادياً ونفسياً ومعنوياً)، حتى انتهى من بنائه وتمكن من سكناه؟ وهل سيبيع منزل العمر ويتخلى عن مشروع حياته بعد كل العناء حتى وإن أغراه العرض؟ وهل يقبل إثر انتهاء البناء أن يأتي من يهدمه أو يخرب فيه أو حتى يتدخل ليعدل في تصميمه، حتى وإن كان المعدّل ماهراً وفناناً؟

ماذا لو عقدنا مقارنة بين بناء بيت وبين بناء وطن؟ وإذا كان أحدنا يستنفد كل قواه في بناء منزل متواضع ربما لا تبلغ مساحته الإجمالية ألف متر مربع فما بالكم بمن بنى وطناً بحجم قارة وما تصورنا للتضحية والفداء والمعاناة؟ وما هي مشاعرنا اليوم ونحن نرى أوطاناً يحاول أهلها ومن يهمهم أمرها إعادة بنائها ولم يتمكنوا برغم الجيوش والأموال، فالمحاولات تبوء بفشل ذريع وهذا يؤكد أن بناء الأوطان ليس من الممكنات المتيسرة وإعادة تأهيل وطن مهلهل أقسى وأعتى وأشق.

وإذا ما كنا نختلف في الأفكار ونتحزب لها، ونعادي ونوالي بحسب الميول فكل ذلك يمكن تفهمه واستيعابه وقبوله طالما لم تسوّل الأنفس الأمّارة بالنيل من بيتنا السعودي، ولم تحثنا النوايا السوداء على التطاول على رموزه، أو تنساق الأذهان المأبونة وراء حاقد وحاسد ووضيع.

نختلف إلاّ أن وطننا متفقٌ عليه، ونلخبط ونشخبط إلاّ أن قيادتنا خط أحمر. وكلنا قسم على حفظ الأمانة والتبرؤ من الخائن والخيانة. الوطن بمنزلة اليقين الذي لا يزول بالشك، ومن يخالفنا نقول له كما قال المثل (غبّر يا ثور على قرنك).

* كاتب سعودي

Al_ARobai@