الطائفية في القرآن

كاظم الشبيب

يسألني بعض القراء المتابعين لما كتبت عن الطائفة والطائفية عما جاء في القرآن حول الموضوع. ومقال في صحيفة لا يعطي الموضوع حقه, ولكن بمقدار الاختزال الممكن نحاول ذلك. لم يرد في القرآن لفظ “الطائفية” مطلقاً. ولكنها اشتقاق من مفردة “الطائفة” التي وردت بصيغة المفرد والمثنى 24 مرة في كتاب الله المبين. يمكننا الاستعانة بمعاني وسياقات ورودها للوصول إلى المفهوم الحقيقي لفهم الطائفة والطائفية من خلال استعراضها وعرض معانيها.
فالموارد المفردة لكلمة الطائفة تكررت 20 مرة, و4 مرات بصيغة المثنى. الصيغ المفردة مثل قوله تعالى: “وَدَّتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَ ما يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَ ما يَشْعُرُونَ” آل عمران69, قال المفسرون فيها: “طائفة” من مادة الطواف. بمعنى الحركة حول الشيء. وبما أن الناس كانوا في السابق يسافرون بشكل جماعات لإحراز الأمان أطلقت هذه الكلمة عليها, ثم استعملت في كل فئة وجماعة. وقيل:”الطائفة”: الجماعة من الناس, وكأن الأصل فيه أن الناس وخاصة العرب كانوا يعيشون شعوباً وقبائل بدويين يطوفون صيفا وشتاءً بماشيتهم في طلب الماء والكلأ, وكانوا يطوفون وهم جماعة تحذراً من الغيلة والغارة, فكان يقال لهم جماعة طائفة, ثم اقتصر على ذكر الوصف (الطائفة) للدلالة على الجماعة. وقيل فيها: طائفة: جماعة من اليهود والنصارى. وقيل: جماعة من أهل الكتاب.
وفي قوله تعالى: “يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَ طائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ” آل عمران154, قيل في الأولى: هم المؤمنون الذين ظفروا على الكفار. وقيل الجماعة الثابتة على الإيمان. وقيل هم المؤمنون. وقيل هم النادمون التائبون من المؤمنين. وقيل في الثانية: هم المنافقون. وقيل هم الجماعة المنافقة.
وقال تعالى في سورة النور, الآية الثانية: “وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ”. قيل: أي جماعة من المؤمنين, وهم ثلاثة فصاعداً عن قتادة والزهري, وقيل الطائفة رجلان فصاعداً عن عكرمة, وقيل اقله رجل واحد عن ابن عباس والحسن ومجاهد وإبراهيم.
أما موارد المثنى لكلمة الطائفة مثل قوله تعالى: “وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما” الحجرات 9, فقيل: الطائفتان: جماعتان من المؤمنين. وقيل: فريقان من المؤمنين. وقيل: إن كلاً من الطائفتين جماعة, ومجموعهما جماعة. وإن كل طائفة تتكون من جماعة من الأفراد.
وفي قوله تعالى: “ أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا” الأنعام156. قيل: على طائفتين: هم اليهود والنصارى. وقيل: أي على جماعتين وهم اليهود والنصارى, عن ابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة والسدي.
ومما نستخلصه من تلك الموارد: 1- إن كلمة طائفة هي من مرادفات كلمة جماعة من الناس أو فرقة من الناس أو مجموعة من الناس, وقد تأتي جميعها بمعنى واحد, وفي أغلب الأحايين يحكمها سياق النص في تحديد المدلول. 2- لا تنحصر الطائفة بجنس محدد كالدين والمذهب واللغة والعرق. فأي جماعة من أي لغة كانوا أو دين أو مذهب يمكن وصفها بالطائفة. فالموارد القرآنية, تارة تعني المنافقين والكافرين والمتخلفين والمرتدين والمكذبين, وتارة أخرى تعني المؤمنين والمخلصين والتائبين والمحاربين والصادقين والمصدقين والمتعلمين والمهاجرين, وتارة أخيرة تعني الكليات كالناس عامة أو المسلمين كافة, أو عامة أهل الكتاب...
3- إطلاق صفة الطائفة على الجزء لا يعني استبعاد إطلاقها على الكل. فالقول بطائفة الأرمن لا يعني حصرها فيها بحيث لا يمكننا القول على كل المسيحيين طائفة. فكل المسيحيين طائفة, وكل جزء منهم طائفة أيضاً. وكذلك الأمر مع جميع البشر كونهم طائفة بشرية, وكل جماعة منهم طائفة أيضاً. 4- تتصف كل طائفة بمشتركات تجمع أهلها كالمصالح الحياتية أو القناعات الجامعة أو المعتقدات الواحدة. 5- يمكن حصر معنى الطائفة بجماعة تعيش في رقعة جغرافية محددة, وفي الوقت ذاته يمكن أن يشمل المعنى جميع أرجاء المعمورة, والأكثر مرونة من ذلك وأعم لمعنى الطائفة هو عدم الاشتراط فيها الاستقرار في مكان ما, بل قد تكون دائمة التنقل أو منتشرة في مناطق جغرافية متقاربة أو متباعدة, نستفيد هذا المعنى من بعض موارد الآيات القرآنية مع بعض المعاني اللغوية أيضاً.
kshabib@hotmail.com




للتواصل ارسل رسالة نصية sms إلى الرقم 88548 تبدأ بالرمز 141 مسافة ثم الرسالة