النابغة.. عتب الهجران
عيون شعرية
الجمعة / 17 / شعبان / 1441 هـ الجمعة 10 أبريل 2020 00:33
إعداد: محمد المشرعي mmashraee2@
الشعر عند العرب لم يكن قولاً عابراً، بل كان فضاءً واسعاً يعبر فيه العربيّ عن أحاسيسه، فيرسمها في لوحة رسامٍ، كأن من يقرأها أو يسمع بها، يعيش تفاصيلها، يعتز به أهله ويفتخرون بكل ما فيه، من الشعراء:
زياد بن معاوية بن ضباب الذبياني الغطفاني المضري، أبو أمامة (535 – 604م). شاعر جاهلي، كانت تضرب له قبة من جلد أحمر بسوق عكاظ فيقصده الشعراء ويعرضون عليه أشعارهم. لقِّب بالنابغة لأنه لم يقل الشعر إلا بعد أن تجاوز عمره الأربعين تقريباً، أو لأنه نبغ في الشعر دفعة واحدة. كان أحسن شعراء العرب ديباجة، لا تكلف في شعره ولا حشو، له قصيدة يعدها البعض من المعلقات، ومطلعها:
يا دار مية بِالعلياء فالسند
أَقوت وطال عليها سالف الأَمد
أمضى معظم حياته عند الحكام والملوك، ومن أكثر الملوك الذين جالسهم هو النعمان بن المنذر فكان يحسن وفادته، ويجزل عطاياه ويقرَّبه من مجلسه. إلا أن الحساد والوشاة استطاعوا الإيقاع به عند النعمان، فأهدر دمه إثر حادثة «المتجردة»، فهرب النابغة إلى الغساسنة.
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا معشر غطفان، من الذي يقول:
أتيتك عارياً خلقاً ثيابـي
على خوفٍ تظن بي الظنون
قلنا: النابغة. قال: ذاك أشعر شعرائكم. ومن شعره:
عوجوا فحَيّوا لنُعمٍ دمنَةَ الدّارِ
ماذا تُحَيّونَ من نُؤيٍ وأحجارِ؟
وقفتُ فيها سراةَ اليومِ أسألُها
عن آلِ نُعْمٍ أمُوناً عبرَ أسفارِ
فاستَعْجَمَتْ دارُ نُعمٍ ما تُكلّمنا
والدّارُ لو كَلّمتنا ذاتُ أخبارِ
فما وجَدْتُ بها شيئاً ألوذُ به
إلاّ الثُّمامَ وإلاّ مَوْقِدَ النّارِ
وقد أراني ونُعْماً لاهِييَنِ بها
والدّهرُ والعيشُ لم يَهمُمْ بإمرارِ
أيّامَ تُخبْرُني نُعْمٌ وأُخبِرُها
ما أكتُمُ النّاسَ من حاجي وأسراري
لولا حَبائِلُ من نُعْمٍ عَلِقْتُ بها
لأقْصَرَ القلبُ عَنها أيّ إقْصارِ
فإن أفاقَ لقد طالت عَمايَتُه
والمرءُ يُخْلِقُ طوراً بعد أطوارِ
نُبّئتُ نُعماً على الهِجرانِ عاتِبَةً
سَقياً ورَعياً لذاك العاتِبِ الزّاري
رأيتُ نُعماً وأصحابي على عَجَلٍ
والعِيسُ للبَينِ قد شُدّتْ بأكوارِ
فريعَ قَلبي وكانَتْ نَظرَةٌ عَرَضَتْ
حَيناً وتَوفيقَ أقْدارٍ لأقدارِ
بيضاءُ كالشّمسِ وافتْ يومَ أسعدِها
لم تُؤذِ أهلاً ولم تُفحِشْ على جارِ
تلوثُ بعدَ افتضالِ البُردِ مِئزَرَها
لَوثاً على مثلِ دِعصِ الرّملة الهارِي
والطّيبُ يزدادُ طِيباً أن يكونَ بها
في جِيدِ واضِحةِ الخَدّينِ مِعطارِ
كأنّ مَشمولةً صِرْفاً برِيقَتِها
من بعدِ رَقدَتِها أو شَهدَ مُشتارِ
أقولُ والنّجمُ قد مالتْ أواخِرُهُ
إلى المَغيبِ تَثبّت نَظرَةً حارِ
ألَمحَه من سَنا بَرْقٍ رأى بصَري
أم وجهُ نُعْمٍ بدا لي أم سنا نارِ؟
بل وجهُ نُعمٍ بدا واللّيلُ مُعتكِرٌ
فلاحَ مِن بينِ أثوابٍ وأستْارِ
إنّ الحُمولَ التي راحتْ مُهَجِّرَةً
يَتْبَعنَ كلّ سَفيهِ الرّأيِ مِغيارِ
نَواعِمٌ مثلُ بَيضاتٍ بمَحْنيةٍ
يَحفِزْنَ منهُ ظَليماً في نَقاً هارِ
إذا تَغَنّى الحَمامُ الوُرقُ هيّجَني
وإنْ تغربّتُ عنَها أُمِّ عَمّارِ
زياد بن معاوية بن ضباب الذبياني الغطفاني المضري، أبو أمامة (535 – 604م). شاعر جاهلي، كانت تضرب له قبة من جلد أحمر بسوق عكاظ فيقصده الشعراء ويعرضون عليه أشعارهم. لقِّب بالنابغة لأنه لم يقل الشعر إلا بعد أن تجاوز عمره الأربعين تقريباً، أو لأنه نبغ في الشعر دفعة واحدة. كان أحسن شعراء العرب ديباجة، لا تكلف في شعره ولا حشو، له قصيدة يعدها البعض من المعلقات، ومطلعها:
يا دار مية بِالعلياء فالسند
أَقوت وطال عليها سالف الأَمد
أمضى معظم حياته عند الحكام والملوك، ومن أكثر الملوك الذين جالسهم هو النعمان بن المنذر فكان يحسن وفادته، ويجزل عطاياه ويقرَّبه من مجلسه. إلا أن الحساد والوشاة استطاعوا الإيقاع به عند النعمان، فأهدر دمه إثر حادثة «المتجردة»، فهرب النابغة إلى الغساسنة.
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا معشر غطفان، من الذي يقول:
أتيتك عارياً خلقاً ثيابـي
على خوفٍ تظن بي الظنون
قلنا: النابغة. قال: ذاك أشعر شعرائكم. ومن شعره:
عوجوا فحَيّوا لنُعمٍ دمنَةَ الدّارِ
ماذا تُحَيّونَ من نُؤيٍ وأحجارِ؟
وقفتُ فيها سراةَ اليومِ أسألُها
عن آلِ نُعْمٍ أمُوناً عبرَ أسفارِ
فاستَعْجَمَتْ دارُ نُعمٍ ما تُكلّمنا
والدّارُ لو كَلّمتنا ذاتُ أخبارِ
فما وجَدْتُ بها شيئاً ألوذُ به
إلاّ الثُّمامَ وإلاّ مَوْقِدَ النّارِ
وقد أراني ونُعْماً لاهِييَنِ بها
والدّهرُ والعيشُ لم يَهمُمْ بإمرارِ
أيّامَ تُخبْرُني نُعْمٌ وأُخبِرُها
ما أكتُمُ النّاسَ من حاجي وأسراري
لولا حَبائِلُ من نُعْمٍ عَلِقْتُ بها
لأقْصَرَ القلبُ عَنها أيّ إقْصارِ
فإن أفاقَ لقد طالت عَمايَتُه
والمرءُ يُخْلِقُ طوراً بعد أطوارِ
نُبّئتُ نُعماً على الهِجرانِ عاتِبَةً
سَقياً ورَعياً لذاك العاتِبِ الزّاري
رأيتُ نُعماً وأصحابي على عَجَلٍ
والعِيسُ للبَينِ قد شُدّتْ بأكوارِ
فريعَ قَلبي وكانَتْ نَظرَةٌ عَرَضَتْ
حَيناً وتَوفيقَ أقْدارٍ لأقدارِ
بيضاءُ كالشّمسِ وافتْ يومَ أسعدِها
لم تُؤذِ أهلاً ولم تُفحِشْ على جارِ
تلوثُ بعدَ افتضالِ البُردِ مِئزَرَها
لَوثاً على مثلِ دِعصِ الرّملة الهارِي
والطّيبُ يزدادُ طِيباً أن يكونَ بها
في جِيدِ واضِحةِ الخَدّينِ مِعطارِ
كأنّ مَشمولةً صِرْفاً برِيقَتِها
من بعدِ رَقدَتِها أو شَهدَ مُشتارِ
أقولُ والنّجمُ قد مالتْ أواخِرُهُ
إلى المَغيبِ تَثبّت نَظرَةً حارِ
ألَمحَه من سَنا بَرْقٍ رأى بصَري
أم وجهُ نُعْمٍ بدا لي أم سنا نارِ؟
بل وجهُ نُعمٍ بدا واللّيلُ مُعتكِرٌ
فلاحَ مِن بينِ أثوابٍ وأستْارِ
إنّ الحُمولَ التي راحتْ مُهَجِّرَةً
يَتْبَعنَ كلّ سَفيهِ الرّأيِ مِغيارِ
نَواعِمٌ مثلُ بَيضاتٍ بمَحْنيةٍ
يَحفِزْنَ منهُ ظَليماً في نَقاً هارِ
إذا تَغَنّى الحَمامُ الوُرقُ هيّجَني
وإنْ تغربّتُ عنَها أُمِّ عَمّارِ