المعاناة

نجم الدين أحمد ظافر

دائما ما أتذكر الدهشة التي أصابتني عندما كنت في زيارة عمل لمدينة ألمانية صغيرة تبعد حوالى خمسين كيلومتر عن مدينة دوسلدورف الألمانية. وطلبت من السائق (في العقد الثالث من العمر) اصطحابي لدوسلدورف لزيارتها والتسوق منها. فبدأ بإخراج الخريطة ليبحث عن الطريق المؤدي لها. فتعجبت وقلت له لا أريد عنواناً محدداً, بل دوسلدورف, فقال أنا أبحث عن الطريق لأني لم أزرها من قبل ثماني سنوات. فتعجبت ودهشت وأنا غير مصدق ماسمعته منه فسألته هل أنت جاد؟ أعتقد أنك تمزح. فأكد أنه صادق ولماذا يكذب. فقلت له كيف تقضي حاجاتك؟ كيف تسير أمورك العملية؟. فكان الرد الذي أدهشني أكثر بأن كل شيء متوفر ببلدته. واذا لزم الأمر فباستخدام البريد نرسل المستندات ونستقبلها دون الحاجة للسفر, أما عن الكماليات فالأسواق في البلدة بها كل شيء ومن جميع الماركات من السيارة للإبرة. وأصر أن يصطحبني الى سوق البلدة لكي أرى بنفسي كم هي بلدة جميلة وبها كل شيء. وفعلا رأيت ما زاد من دهشتي فتسوقت منها دون الحاجة لدوسلدورف. لكن لم يمنعني ذلك من زيارتها. شريط هذه الرحلة دون غيرها لا يفارق مخيلتي كلما مررت بذهبان أو بحرة أشعر بالحزن لما هي الأوضاع بهاتين البلدتين القريبتين من جدة واللتين تفتقدان لكل شيء بكل ما تعنيه الكلمة.
ولماذا أقارن بذهبان أو ببحرة, وكثير من المعاملات لا يمكن انهاؤها حتى في جدة أو المدينة المنورة أو الدمام أو أبها أو الجوف. بل يجب السفر الى الرياض لمراجعة الوزارة او الهيئة المختصة. فأشعر بالحزن والشفقة على مواطن يتكبد المشاق والاعباء المالية -تذكرة السفر والإقامة- من أجل مراجعة أو انهاء معاملة. وقد يفاجأ بكلمة راجعنا بعد أسبوع أو بكرة دون مراعاة لظروفه كونه يسكن على بعد مئات الكيلومترات بعيدا عن الوزارة. من هنا تتضح ماهية العمل المؤسساتي الشمولي المنظم وأين نحن معه!
فلطالما سمعنا بمخططات التنمية والتطوير والحكومات الالكترونية. لكننا في الواقع نلمس ونعايش شيئاً مختلفاً. إنه شيء يثير علامات استفهام تستحق المراجعة واعادة النظر.

للتواصل ارسل رسالة نصية sms الى الرقم 88548 تبدأ بالرمز 102 مسافة ثم الرسالة