كتاب ومقالات

تفسير سماوي لكورونا

علي بن محمد الرباعي

يعجز أحدنا، إن كان منصفاً، عن فهم ذاته والوعي بقدراته وتوفير الأسباب والمبررات المعقولة لتصرفاته وقراراته، عدا عجزه الكلي عن تفسير حركاته وسكناته وكشف ألغاز جهازه العصبي والهضمي والمناعي.

من آيات المتشابه (الرحمن على العرش استوى) التي يوجب العلماء الإيمانُ بها وتفويض معناها المراد منها إلى الله تعالى فلا يفسرونها مهابةً من القول على الله بغير علم. ولذا كان رد الإمام مالك على سائل عن الاستواء «الاستواء مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة».

أمر الكون بيد الله وإذا أراد شيئاً يقول له كن فيكون، وما من محدث حدث أو هو حادث أو آيل للحدوث إلا اقتضته حكمة الله التي يستحيل أن يُدرك كنهها كائن من كان.

ما هو من اختصاصه تعالى وفي دائرة شأنه لا يحق ولا يليق بأحد من الخلق التطاول عليه أو التوجيه له مهما بلغت ثقة الإنسان في تدينه بما فيهم الأنبياء عليهم السلام. وشاهدي حديث المتألي على الله عندما قال تعالى «مَنْ ذَا الَّذِي يَتَأَلَّى عَلَيَّ أَنْ لا أَغْفِرَ لِفُلانٍ؟ فَإِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لِفُلانٍ وَأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ».

الافتئات على الله كبيرة ومنه الجزم بمعرفة حكمته أو غايات نوازله في الأرض مما هو ممكن التصور ومما هو مستعصٍ على الفهم متعذر الاستيعاب. وبعضنا إذا أصابت شخصا لا نحبه مصيبة من مصائب الدنيا نقول إنها انتقام من الله. وعندما تنزل بنا جائحة أو أزمة نقول نعمة وابتلاء وتمحيص ورفع درجات؛ كوننا نرى أنفسنا صالحين محفوظين من الرزايا ومعصومين من العقوبات!.

القرآن طالبنا بالعدل حتى إن كرهنا، وكورونا أغرت شريحة لم تؤت من العلم إلا قليلا، وحفّزت بعض الواثقين بأنفسهم بتولي تكييف قضية الوباء جنائياً وتسبيبها، وكأنما هم وكلاء نيابة أو مدع عام يترافع لمحاكمة شعوب أو مجتمعات.

إذا كان بعضنا سيرمي مسؤولية ظهور وباء كورونا على أمة من الأمم وأنه نزل بهم بسبب تجاوزاتهم وغضب الله عليهم، فمن المتوقع أن يأتي من يقول إن بعض المسلمين في مؤخرة الأمم؛ وعياً وحضارة، وهم ينتسبون إلى دين حضاري ويرجع ذلك إلى عقاب الله بالحرمان من التقدم لمصاف الأمم السائدة ويمكن أن يُسبب ذلك بضعف سلوكهم وانحطاط أخلاقهم.

هذا منطق الرد بالمثل إن نحن اتهمنا الآخرين بأنهم محل سخط الله ومظنة استنزال عقابه. ونحن وإياهم كلنا على الأرض وإمكاناتنا محدودة جداً ولا نحيط بشيء من علمه إلا بما شاء وربما كان إدراكنا للوقائع والنوازل غير علمي وغير موضوعي بحكم جنوحنا العاطفي. ولكن العقل يؤكد على أن ما لا تدركه الأبصار لا يعلمه إلا رب السماء، والقول على الله بغير علم موازٍ للشرك.

* كاتب سعودي

Al_ARobai@