الشرفات الموؤودة..!
الأحد / 26 / شعبان / 1441 هـ الاحد 19 أبريل 2020 00:43
محمد آل سلطان
قبل أن يبدأ قرار منع التجول حزم حقائبه وخرج باتجاه القرية البعيدة، سألته مداعباً لمَ تركت المدينة التي أحببتها أم أنك تهرب في أول المعركة مع الوباء؟! أنا لا أهرب من قدر الله وامتثل كما عرفتني لكل تعليمات حكومتي المباركة ولكني أحب مدينتي بشوارعها المليئة وأسواقها العامرة ومقاهيها الفخمة وشاطئها الجميل! وبحثت عن شرفة في شقتي الكبيرة أطل منها على هدوء الليل وصخب النهار فلم أجدها مع الأسف!
لا شمس ولا هواء ولا شرفة أطل منها على حديث السحر! ولا نبات ولا زهور ولا طيور أضعها في شرفة صغيرة أستأنس بها أنا وصغاري في عزلتي! بيتي الريفي يا صديقي قد يكون أفضل للعزلة الإيجابية!
نعم بكل أسف، نوافذنا مغلقة مشبعة بالحديد وجدران أسمنتية ومناور (فراغات) ضيقة لا هواء ولا شمس، تلك هي حال معظم المباني جميلة المظهر التي تنغرس في مدننا ولكنها بلا روح، لا شرفات ولا زهور ولا قهوة صباح على أنغام فيروز، ولا لحظة تسبيح في جوف المساء!
مدننا وئدت بتخطيط معماري بائس جعلنا نعيش عزلة عن بعضنا البعض قبل كورونا وأثناءها، وستستمر عزلتنا بعدها ما لم نأخذ درساً أن لا فيلا بلا حديقة ولا شقة بلا شرفة!
مبانٍ صامتة ونوافذ مغلقة لا معنى ولا قيمة ولا جمال لها، لا حديث من على الشرفات يجمعنا مع الجيران! ولا قصائد نكتبها هناك، ولا حديث مساء نهمس به في أذن من نحب! من سمح لهؤلاء أن يشوهوا مدننا جمالياً واجتماعياً.. كيف تناسينا أن رئة المباني الطويلة هي الشرفات! الشرفة هي من يجعل الشقة الصغيرة جداً باحة كبيرة لو عرفنا أهميتها واستثمارها كقيمة جمالية معمارية واجتماعية وصحية أيضاً.. مدننا انقلبت في لحظة تاريخية، بل إن المباني القديمة التي صممت بالشرفات أغلقناها وحولناها مستودعات بائسة!
حجة الغبار والأجواء حجة فاسدة لأن هذه الشرفات لو اعتنينا بها لكانت حدائق معلقة في شوارعنا وأحيائنا، ولربما كانت وسيلة تواصل اجتماعي حميمي افتقدناها متى ما اجتاحتنا لحظة فرح أو أنين ألم! إن فلسفة المدن المعمارية ليست معدومة من التواصل الاجتماعي عن بعد وهو المطلوب خصوصاً في زمننا هذا ورأيناه في عواصم عالمية، لأن أي مدينة لا ترغب في أن يتحول سكانها إلا أكواد مقفلة لا تعرف من؟ ولا أين؟ ولا متى؟ ولا كيف جاءت أو غادرت؟
لا ينبغي أن نسمح مرة أخرى لأن تخنق الشقق السكنية بنوافذ ضيقة وشرفات معدومة، لا بد من أن يتضمن كود البناء مساحات واعتبارات صحية واجتماعية وجمالية تسمح لمن يعيش في المدن سواء في فيلا أو بالأخص شقة أن يحصل على حصته العادلة من هذه الاعتبارات.
لست خبير تخطيط معماري ولكني أعتقد جازماً أن من دروس جائحة كورونا الكثيرة أنها لفتت النظر إلى عيوب معمارية وجمالية تسللت إلى مدننا في غياب عين الرقيب.
* كاتب سعودي
dr_maas1010@
لا شمس ولا هواء ولا شرفة أطل منها على حديث السحر! ولا نبات ولا زهور ولا طيور أضعها في شرفة صغيرة أستأنس بها أنا وصغاري في عزلتي! بيتي الريفي يا صديقي قد يكون أفضل للعزلة الإيجابية!
نعم بكل أسف، نوافذنا مغلقة مشبعة بالحديد وجدران أسمنتية ومناور (فراغات) ضيقة لا هواء ولا شمس، تلك هي حال معظم المباني جميلة المظهر التي تنغرس في مدننا ولكنها بلا روح، لا شرفات ولا زهور ولا قهوة صباح على أنغام فيروز، ولا لحظة تسبيح في جوف المساء!
مدننا وئدت بتخطيط معماري بائس جعلنا نعيش عزلة عن بعضنا البعض قبل كورونا وأثناءها، وستستمر عزلتنا بعدها ما لم نأخذ درساً أن لا فيلا بلا حديقة ولا شقة بلا شرفة!
مبانٍ صامتة ونوافذ مغلقة لا معنى ولا قيمة ولا جمال لها، لا حديث من على الشرفات يجمعنا مع الجيران! ولا قصائد نكتبها هناك، ولا حديث مساء نهمس به في أذن من نحب! من سمح لهؤلاء أن يشوهوا مدننا جمالياً واجتماعياً.. كيف تناسينا أن رئة المباني الطويلة هي الشرفات! الشرفة هي من يجعل الشقة الصغيرة جداً باحة كبيرة لو عرفنا أهميتها واستثمارها كقيمة جمالية معمارية واجتماعية وصحية أيضاً.. مدننا انقلبت في لحظة تاريخية، بل إن المباني القديمة التي صممت بالشرفات أغلقناها وحولناها مستودعات بائسة!
حجة الغبار والأجواء حجة فاسدة لأن هذه الشرفات لو اعتنينا بها لكانت حدائق معلقة في شوارعنا وأحيائنا، ولربما كانت وسيلة تواصل اجتماعي حميمي افتقدناها متى ما اجتاحتنا لحظة فرح أو أنين ألم! إن فلسفة المدن المعمارية ليست معدومة من التواصل الاجتماعي عن بعد وهو المطلوب خصوصاً في زمننا هذا ورأيناه في عواصم عالمية، لأن أي مدينة لا ترغب في أن يتحول سكانها إلا أكواد مقفلة لا تعرف من؟ ولا أين؟ ولا متى؟ ولا كيف جاءت أو غادرت؟
لا ينبغي أن نسمح مرة أخرى لأن تخنق الشقق السكنية بنوافذ ضيقة وشرفات معدومة، لا بد من أن يتضمن كود البناء مساحات واعتبارات صحية واجتماعية وجمالية تسمح لمن يعيش في المدن سواء في فيلا أو بالأخص شقة أن يحصل على حصته العادلة من هذه الاعتبارات.
لست خبير تخطيط معماري ولكني أعتقد جازماً أن من دروس جائحة كورونا الكثيرة أنها لفتت النظر إلى عيوب معمارية وجمالية تسللت إلى مدننا في غياب عين الرقيب.
* كاتب سعودي
dr_maas1010@