كتاب ومقالات

المرونة الذهنية vs المرونة البدنية

محمد المطيري

اعتدنا على سماع كلمة المرونة من معلقي كرة القدم، وعادةً تستخدم في وصف الحالة البدنية للاعب تمت مشاهدته في لقطة خلال المباراة تثير إعجاب عامة المتابعين، سواء كانت هذه اللقطة عبارة عن مراوغة أو لعبة هوائية، لكن ما سأتحدث عنه في هذه المقالة هي حالة ذهنية أحببت تسميتها بـ«المرونة الذهنية»، وتعني: السرعة في القراءة والتخطيط والتنفيذ والبحث عن الطريقة الأمثل للنجاح بطريقة ابتكارية، على حسب كل حالة، إما تكون حالة دفاعية أو هجومية أو تكون هذه الحالة مفتاحا لهجمة واعدة.

أتذكر مشهدا كان في مباراة نصف نهائي كأس العالم 2006 بين ألمانيا المستضيفة وإيطاليا، المرونة الذهنية تجلّت بها، أعني هدف إيطاليا الأول الذي سجله فابيو غروسو بالشوط الإضافي الثاني في الدقيقة 118، أي قبيل نهاية المباراة بدقيقتين ومن ثم الاحتكام لركلات الترجيح، ركلة ركنية لإيطاليا ينفذها اليساندرو ديل بييرو يشتتها المدافع الألماني مانويل فريدريتش لتصل عند أندريه بيرلو الواقف على قوس منطقة الجزاء، في هذه اللحظة جميع لاعبي المانشافت داخل المنطقة، لا سبيل لأندريه بيرلو إلا تمرير الكرة إلى زميله ديل بييرو بالقرب من الركلة الركنية أو لعب كرة ساقطة لزملائه داخل منطقة الجزاء، لكن لم يفعل بيرلو أيا من هذه..

خدع بيرلو الجميع بمن فيهم لاعبو ألمانيا الذين تواجدوا بمنطقة الجزاء، تحرك أندريه باتجاه رمية التماس قاصداً التمرير لزميله ديل بييرو، في هذه اللحظة انطلق ٣ من لاعبي ألمانيا المتواجدين بمنطقة الجزاء باتجاه بيرلو ظناً بتمرير الكرة لـ«ديل بييرو»، لاحظ أندريه الفراغ الذي أحدثه تحرك الألمان باتجاهه، حينها قرأ وخطط من جديد في ظرف ثانيتين ليمرر تمريرة ساحرة لم ينظر فيها إلى زميله غروسو الذي استغل الفراغ الذي أحدثه فريدريتش وزملاؤه ليسددها ويعلن أول أهداف الأزوري.

المشهد الآخر الذي ما زال عالقاً في ذهني، هو هدف برشلونة الثاني الذي سجله الساحر رونالدينهو ضد تشيلسي في إياب دور الـ١٦ من دوري الأبطال في عام 2004-2005 عندما تلقى تمريرة من زميله ديكو وسط حصار ٤ من لاعبي تشيلسي على قوس منطقة الجزاء، شعر الجميع بعجز رونالدينهو عن فعل شيء وظن مدافع تشيلسي ريكاردو كارفاليو بأنه نجح بإغلاق المنافذ عنه، الكرة بقدم رونالدينهو على بعد قرابة ٢٠ مترا عن المرمى وسط حصار من لاعبي البلوز، قرأ رونالدينهو المشهد وخطط لفعل شيء ما، عندما حرك قدمه اليمنى لإيهام الجميع بأنه سيراوغ، فاجأ البرازيلي الجميع عندما سدد الكرة واقفاً بالمشط الخارجي لقدمه، ليسجل هدفاً للفريق الكتالوني جعل أقدام الحارس بيتر تشيك متجمدة من استحالة التسديد بهذه الوضعية وسط ذهول الجميع.

عندما نتطرق إلى المرونة الذهنية فلا بد من ذكر اللاعب الأكثر تكنيكا في تاريخ كرة القدم حسب نقاد اللعبة، عن «دينيس بيركامب» أتحدث.

في مباراة أرسنال ونيوكاسل يونايتد في موسم 2001-2002 سجل الهولندي هدفاً يعتبره الجميع هدفاً إعجازياً، عندما تلقى تمريرة بوضعية يستحيل على بيركامب فعل ما فعل تالياً، تلقى بيركامب تمريرة من زميله بيريس واضعاً ظهره للمرمى وسط مضايقة من مدافع نيوكاسل دابيزاس، لمس دينيس الكرة بقدمه اليسرى بكل أناقة حتى تنحني الكرة وتمر على يمين المدافع واستدار بيركامب وانطلق على يساره ليقابل الكرة منفرداً بالحارس ويسجل هدفا اعتبرته جماهير المدفعجية الأفضل بتاريخ النادي.

يقول بيركامب عن الهدف: توقعت أن يمرر روبيرت بيريس الكرة على قدمي اليمنى، لكنه أخطأ في التمرير، عندما وصلت الكرة لقدمي اليسرى فكرت أن أتصرف بها بهذا الشكل، وكان التصرف الأسرع والأدق لتمريرة بيريس هو ما فعلته.

ما ذكره بيركامب هي المرونة الذهنية التي بسببها كتبت هذه المقالة، سرعة القراءة والتخطيط وحسن التنفيذ بطريقة مبتكرة. أهمية الحالة الذهنية للاعبي كرة القدم توازي أهمية الحالة البدنية، لخصّها المدرب العبقري بيب غوارديولا بتصريح سابق، حيث قال: «أنا لا أؤمن بالحالة الجسدية، وبرأيي أن الإرهاق الجسدي غير موجود، من وجهة نظري فالعقل هو من يتحكم بكل شيء، وأن الأمر كله متعلق بالحالة الذهنية»، ما قصده بيب هو أن اللاعب عندما يكون صافي الذهن سيقدم مستوى أكثر إبداعاً وابتكاراً.

وهذا ما يطابق ما ذكره اللاعب الإيطالي اندريه بيرلو في مذكراته عندما قال: «كرة القدم تلعب بالعقل، والأقدام مجرد أدوات».