كتاب ومقالات

صندوق الاستثمارات العامة.. الذئب لا يهرول عبثاً

محمد الساعد

في مارس 2015، خرج صندوق الاستثمارات العامة من عباءة وزارة المالية السعودية بعد أكثر من أربعة عقود على إنشائه، كان يؤسس لمستقبل أكثر جسارة، فقد أصبح تابعاً بشكل مباشر لمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية في المملكة، تلا ذلك تعيين مجلس إدارة جديد للصندوق برئاسة الأمير محمد بن سلمان ولي العهد، الأمر الذي أعطاه أهمية وبعداً كبيرين في أعماله ووسع الآمال المعلقة عليه.

لقد استطاع الصندوق المساهمة إيجابياً في الإيرادات العامة للدولة من خارج العوائد النفطية، وهو ما أكد سلامة القرار الذي اتخذ بفصله عن «المالية» السعودية وإنشائه في كيان مستقل.

وعودة إلى الوراء، فقد أسس الصندوق في عهد الملك فيصل -رحمه الله- عام 1971 بعدما بدأت أموال النفط في التدفق على الخزينة السعودية، وأصبح من الملّح بناء ذراع استثمارية قادرة على تدوير الأموال وبناء أصول تساهم في زيادة الدخل.

إلا أن الصندوق اتبع لمدة 45 عاماً سياسة محافظة جداً، وهي سياسة معتادة في وزارات المالية في العالم التي تفضل أن تعمل في منطقة منعدمة المخاطر ولا تتحمس لمشاريع أكثر جرأة.

في حوار لصحيفة الشرق الأوسط نشر في 16-6-2019 كشف الأمير محمد بن سلمان أن أصول الصندوق قفزت إلى تريليون ريال في عامين.

وخلال الأزمة الاقتصادية الحالية الطاحنة التي يمر بها الاقتصاد العالمي وتراجع الموارد وإغلاق المصالح وخطوط الإمداد وانحسار عمليات البيع والشراء وفقدان الشهية الاقتصادية، كان هناك «ذئب سعودي» يهرول بين مسالك الاقتصاد الأوروبي والعالمي باحثاً عن فرص عظيمة لا يراها إلا أصحاب البصيرة وقناصو الفرص وصائدو الجوائز، كان بلا شك «صندوق الاستثمارات العامة السعودي».

فخلال الأيام القليلة الماضية أكدت تقارير منشورة في الصحافة البريطانية، عن عزم صندوق الاستثمارات السعودي شراء أسهم نادي نيوكاسل يونايتد.

أما لماذا نيوكاسل البريطاني، فالاستثمار في الرياضة الأوروبية هو إحدى أهم الفرص التجارية فما بالنا بأهم دوري في العالم، ويتوقع منه تحقيق عوائد مالية عالية، كما أنه يبني على خط مواز قوة ناعمة مهمة في معقل السياسة الغربية، لعل الكثير لاحظ أن جماهير النادي بدأوا في رفع صور الأمير محمد بن سلمان تعبيرا عن تأييدهم وتفاؤلهم بالصفقة.

صحيفة «تليغراف» قالت هي أيضاً إن معلوماتها تؤكد قرب انتهاء الصفقة لصالح الصندوق الذي استطاع توفير 40 مليون باوند بعدما كان النادي معروضا بـ340 مليون باوند.

لم تكن تلك هي الصفقة الوحيدة، فخلال انهيار أسعار النفط الأسابيع الماضية وأثناء ما كان عدد كثير ممن يتعاملون في تجارته يقفزون من السفينة للنجاة، كان الصندوق السعودي يرمي شباكه لاصطياد شركات نفطية كبرى تعثرت بسبب الخضة الاقتصادية المعتمة، الكل كان يهرب والسعوديون كما أجدادهم البدو الرحل «يبصرون» الواحات الخضراء في وسط الصحاري المقفرة، دون أن يراها غيرهم.

فقد كشفت «بلومبيرغ» أن صندوق الاستثمارات العامة السعودي قام بشراء حصص في شركات نفط أوروبية، بما في ذلك حصة بـ200 مليون دولار في شركة النفط الحكومية النرويجية «Equinor»، ورجحت المصادر أن الصندوق قام بشراء الحصص من خلال السوق المفتوحة.

كذلك كشفت صحيفة «وول ستريت جورنال»، عن قيام الصندوق ببناء حصص في كل من شركات شل. وتوتال. وايني، بقيمة إجمالية تبلغ حوالى المليار دولار، كما قام الصندوق بشراء حصة تبلغ 8% في شركة الرحلات البحرية شيفرول، ألم يقل الملياردير الأمريكي الشهير: «في الأزمات تصنع الثروات»، وها هو الصندوق الأضخم في العالم يصنع ثروته «السعودية» ويعززها.

* كاتب سعودي

massaaed@